فقد حدثت حادثة غريبة في حياة الصديق رضي الله عنه وأرضاه في أواخر العهد المكي، حيث خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنة أبي بكر عائشة حين ذكرتها له خولة بنت حكيم رضي الله عنها وأرضاها، وطبعاً الأصل أن هذا يوم سعيد جداً عند أبي بكر الصديق؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب ابنته، لكن كانت هناك مشكلة، فقد كان المطعم بن عدي خطبها قبل ذلك لابنه، والمطعم بن عدي كافر وابنه كافر ولم يكن محرماً على المسلمين في ذلك الوقت أن يزوجوا بناتهم للمشركين، فقال أبو بكر لزوجه أم رومان: إن المطعم بن عدي قد كان ذكرها على ابنه، ووالله! ما أخلف أبو بكر وعداً قط.
فلا يريد أن يعطيها لرسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه قد أعطى وعداً للمطعم بن عدي.
ثم أتى مطعماً وعنده امرأته جالسة معه فسأله: ما تقول في أمر هذه الجارية؟ يعني: في أمر السيدة عائشة، فأقبل الرجل على امرأته ليسألها: ما تقولين؟ فتركت الرجل وأقبلت على أبي بكر تقول: لعلنا إن أنكحنا هذا الصبي إليك تصبئه وتدخله في دينك الذي أنت عليه؟ فلم يجبها أبو بكر، وواضح أنها رافضة، وأبو بكر طبعاً سيطير من السعادة، والمطعم بن عدي كذلك سيرفض، لكن مثلما يقولون: الصديق يمشي في القنوات الشرعية، فسأل المطعم بن عدي: ما تقول أنت؟ فكان جوابه: إنها تقول ما تسمع يا أبا بكر! يعني: هي سمعت هذا الكلام مني من قبل.
فتحلل أبو بكر عند ذلك من وعده وقبل خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن كان علقها على موافقة المطعم بن عدي.
فانظر مع رغبته الأكيدة في مصاهرة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أنه لا يريد أن يخلف وعداً؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قد علمه ذلك، إنه طراز نادر من الرجال رضي الله عنه وأرضاه.
كانت هذه هي السمة الأولى من سمات الصديق رضي الله عنه وأرضاه، سمة حب رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك الحب الذي قاده إلى التصديق وقاده إلى الاقتداء.