ونجد أمراً آخر في حياة الصديق يفسر هذا الاتباع، إنه الأمر الغريب في هيبته رضي الله عنه وأرضاه في جمع القرآن، مع أن جمع القرآن هذا أمر عظيم جداً، لكن كانت عنده هيبة شديدة في جمع القرآن.
فلما استشهد عدد كبير من حفظة القرآن في موقعة اليمامة وخشي الصحابة على ضياع القرآن ذهبوا إلى أبي بكر الصديق وبالذات عمر بن الخطاب، ذهبوا يعرضون عليه فكرة جمع القرآن، فكان متحرجاً أشد التحرج من هذا العمل الجليل، وقال: كيف أفعل شيئاً لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ورسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينه عن جمعه، لم ينه عن جمع القرآن، لكن الصديق رضي الله عنه وأرضاه كان من عادته أن ينظر قبل الفعل إلى فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في أي أمر من الأمور، فما وجده من أفعال رسول الله صلى الله عليه وسلم قلده واتبعه، فلما نظر ولم يجد رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع القرآن احتار وتهيب ثم اجتمع عليه الصحابة، وبالذات عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأقنعوه، فاستصوب جمعه؛ لما فيه من خير.
وهكذا في كل مواقف أبي بكر الصديق رضي الله عنه تجد حباً عميقاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا الحب دفعه إلى اليقين التام بصدق ما قال صلى الله عليه وسلم، ودفعه أيضاً إلى الاقتداء به في كل الأفعال والأقوال.
ونحن أحياناً لما نحب واحداً نفعل كل شيء لإرضائه، وأحياناً يتجاوز بعضنا بعض القيم والأخلاق، لكن الصديق رضي الله عنه ما كان ينسى الأخلاق والقيم التي تعلمها على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ولو كان ذلك لإرضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم.