هذا اليقين بصدق ما قال صلى الله عليه وسلم يفسر لنا أيضاً موقفاً عجيباً من مواقف الصديق رضي الله عنه وأرضاه وهو موقف إعلان الحرب على الفرس فور الانتهاء من حروب الردة، هذا والله! من أعجب مواقف التاريخ إن لم يكن أعجبها على الإطلاق، وتعالوا كذا نحسبها بحسابات المادة البشرية.
دولة المسلمين دولة ناشئة لا تشتمل إلا على جزيرة العرب فقط، والدولة ليس لها تاريخ في الحروب النظامية، فدولة المسلمين ما هي إلا مجموعة من القبائل جمعها رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أعوام قلائل، والدولة خارجة من حروب أهلية طاحنة هي حروب الردة الشديدة، والتي ارتدت فيها كل جزيرة العرب، باستثناء ثلاث مدن وقرية: مكة والطائف والمدينة المنورة وقرية تسمى قرية هجر في البحرين.
والفرس على الجانب الآخر دولة تقتسم العالم مع دولة الروم، أي: أنها إحدى الدول العظمى في العالم في ذلك الوقت، وتاريخ الفرس قديم في الحروب النظامية، وجيوش الفرس تجاوز الملايين، والمسلمون لما كانوا يفتحون بلاد الفرس كان أقل جيش يقابلهم (60.
000) عدة مرات، وفي القادسية كانوا (240.
000)، والجيش الإسلامي المعد لحرب الفرس لم يكن يتجاوز الـ (10.
000) ووصلوا إلى (18.
000) عند اكتمال العدة، وهو عدد لا يمثل قوة مدينة واحدة من مدن الفرس، كل هذا وغيره ويأخذ الصديق هذا القرار العجيب بالتوجه لفتح هذه البلاد.