وقال تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ} 1.
وقال: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ} 2.
قال ابن كثير رحمه الله: " وما أحسن ما قال زهير بن أبي سلمى في معلقته المشهورة.
فلا تكتمن الله ما في قلوبكم
ليخفى ومهما يكتم الله يعلم
يؤخر فيوضع في كتاب فيدخر
ليوم حساب أو يعجل فينقم
فقد اعترف هذا الشاعر الجاهلي بجود الصانع وعلمه بالجزئيات وبالمعاد وبالجزاء وبكتابة الأعمال في الصحف ليوم القيامة...."3.
فالمشركون إذاً مقرون بهذا التوحيد ومعترفون به: ولكن مع ذلك فإن إقرارهم هذا لا ينفعهم لعدم اعترافهم بتوحيد الألوهية وهو توحيد الله بأفعال عبيده.
واستحقوا المحاربة والعداء، بل إن إقرارهم بتوحيد الربوبية يعد حجة عليهم وملزماً لهم بإفراد الله وحده بالعبادة بأنواعها من دعاء ورجاء وخوف وذبح ونذر واستغاثة وغيرها من أنواع العبادة؛ لأن من أقر أن الله هو وحده الخالق الرازق المدبر فإنه يلزمه أن يفرده بالعبادة والتأله والذل.
قال ابن سعدي في تقرير هذه الحقيقة: "والمشركون الذين يتخذون الأنداد مع الله لا يسوونهم بالله في الخلق والرزق، وإنما يسوونهم به في العبادة فيعبدونهم ليقربوهم إليه"4.
ويقول عند تفسير الآيات المتقدمة التي فيه إقرار المشركين بوحدانية الله في الخلق والرزق والإحياء والإماتة..الخ يقول: "هذا استدلال على المشركين المكذبين بتوحيد الإلهية والعبادة وإلزام لهم بما أثبتوه من توحيد الربوبية، يلزمهم به الإقرار بتوحيد الألوهية"5.
ولذا فإن نصوص القرآن التي جاءت لتقرير توحيد الربوبية يستدل بها على وجوب توحيد الألوهية وإفراده بالعبادة، وقد أوضح ابن سعدي ذلك وبينه في مواضع متعددة