وقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ. الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ} 1.
فلقد أنعم الله على الإنسان بنعمة عظيمة، حيث جعله على هذه الصورة الجميلة المتميزة عن سائر الحيوانات.
لهذا لو أن الإنسان أمعن النظر، في نفسه وما فيها من عجائب صنع الله، ونظر إلى ظاهره وما فيه من كمال خلقه، وأنه متميز عن سائر الحيوانات لعرف أن وراء ذلك رب خالق حكيم في خلقه، وعرف أن هذا الخالق هو المنفرد بتدبير الإنسان وتصريفه بهذه التصاريف لا يشاركه فيه مشارك.
ولهذا فلا يليق بمن أنعم الله عليه بهذه النعم الظاهرة والباطنة أن يكفرها أو أن يجحد إحسان الله عليه بها.
لذا يقول سعدي لمن جحد هذه النعم ولم يؤد شكرها:
"أليس الله هو الذي خلقك فسواك في أحسن تقويم: وركبك تركيباً قوياً معتدلاً في أحسن الأشكال وأجمل الهيئات، فهل يليق بك أن تكفر نعمة المنعم أو تجحد إحسان المحسن. إن هذا إلا من جهلك وظلمك وعنادك وغشمك فاحمد الله إذ لم يجعل صورتك صورة كلب أو حمار أو نحوهما من الحيوانات"2.
ولو تأمل الإنسان في نفسه التي بين جنبيه وما فيها من عجائب صنع الله والتي بدونها يصبح الإنسان جثة هامدة بلا حراك؛ لهدته إلى رب حكيم خبير.
يقول ابن سعدي في تقرير هذا المعنى عند قول الله تعالى: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا} 3.
" وعلى كل حال فالنفس آية كبيرة من آياته التي يحق الإقسام بها فإنها في غاية اللطف والخفة، سريعة التنقل والحركة والتغيير والتأثر، والانفعالات النفسية من الهمة والإرادة والقصد والحب والغضب وهي التي لولاها لكان البدن مجرد تمثال لا فائدة فيه، وتسويتها على ما هي عليه آية من آيات الله العظيمة.
والمقصود أن نفس الإنسان أعظم الأدلة على وجود الله وحده ومن ثم تفرده