وسط بين هذه المذاهب الضالة، فمن مات على كبيرة فأمره مفوض إلى الله إن شاء عاقبه وإن شاء عفا عنه، وإذا عاقبه بها فإنه لا يخلد خلود الكفار بل يخرج من النار ويدخل الجنة1.

وقد اهتم ابن سعدي ببيان هذا الحكم والرد على من خالفه، وذكر له أدلة كثيرة من الكتاب والسنة.

قال رحمه الله: "كبائر الذنوب وصغائرها لا تصل بصاحبها إلى الكفر ولكنها تنقص الإيمان من غير أن تخرجه من دائرة الإسلام، ولا يخلد صاحبها في النار.

ولا يطلقون عليه اسم الكفر كما تقوله الخوارج، أو ينفون عنه الإيمان كما تقول المعتزلة، بل يقولون هو مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته فمعه مطلق الإيمان، أما الإيمان المطلق فينفى عنه"2.

وقد استدل ابن سعدي على أن الكبائر لا يكفر صاحبها، ولا توجب الخلود في النار بأدلة كثيرة.

منها: قوله تعالى: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} 3.

قال ابن سعدي: "في قوله {أَخِيهِ} دليل على أن القاتل لا يكفر، لأن المراد بالأخوة هنا الأخوة الإيمانية فلم يخرج بالقتل منها.

ومن باب أولى سائر المعاصي التي هي دون القتل، ولا يكفر بها فاعلها وإنما ينقص بذلك إيمانه"4.

ومنها: قوله تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا....} 5.

قال ابن سعدي: "....الإيمان والأخوة الإيمانية لا يزولان مع وجود الاقتتال كغيره من الذنوب والكبائر التي دون الشرك، وعلى ذلك مذهب أهل السنة والجماعة"6.

وقد استدل الخوارج والمعتزلة على مذهبهم الباطل بنصوص من القرآن، من تأملها وجد أنها حجة عليهم لا لهم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015