أولا: طلبه للعلم وحرصه عليه:
كان ابن سعدي ـ رحمه الله ـ قد استرعى أنظار الناس منذ حداثة سنه بذكائه القوي، ورغبته الشديدة في طلب العلم وتحصيله، فأوقف لذلك حياته في طلب العلم، فكان لا يشغله عنه شاغل ولا يصرفه عنه صارف، فكان همه في حياته الاستفادة العلمية وحفظ الأوقات في ذلك1.
لقد أجمع أمره على أن يقف حياته على طلب العلم، وأن يعطي نفسه أمناً وطمأنينة وسكينة خاصة، تصل برباطها الوثيق بينه وبين الأمر الذي أوقف حياته عليه.
فتراه إذ ذاك في وادٍ، وأغلب ناشئة عصره من زملائه وأترابه في واد آخر. إنه ارتضى العلم والمعرفة خدينا وأليفا، ولم يرق في نظره من رجال زمنه سوى طبقة العلماء. فلازمهم ملازمة الظل. وأكب على الاغتراف من معين علمهم وفضلهم وأخلاقهم، فتغذى أطيب غذاء، وروى أكرم ري2.
وأول ما قام به من طلب العلم، مبادرته لحفظ كتاب الله، فبدأ بحفظ القرآن من سن مبكرة، حتى أتقنه وأتمه وحفظه عن ظهر قلب في الحادية عشرة من عمره، في مدرسة الشيخ سليمان بن دامغ لتحفيظ القرآن بأم خمار، ثم شرع بعد ذلك في تحصيل سائر العلوم الشرعية3
فأخذ في طلب العلم وتحصيله وتلقيه عن علماء بلده وغيرهم ممن قدم إليه، وشغل أوقاته في ذلك، ورحل إلى العلماء المجاورين لبلده، وانقطع للعلم وتحصيله حفظاً وفهماً ودراسة ومراجعة واستذكاراً وتطبيقاً.
وكان يواظب على دروس العلماء، وعلى من يشعر أنه له منه أدنى فائدة طارحاً التحيز والترفع، وواصل وثابر، وبذل جهده في سبيل ذلك حتى نال في صباه ما لا يناله غيره في زمن طويل، من علوم كثيرة وفنون مختلفة4.