, ففي تاسع عشر صفر سنة أربع وخمسين وخمسمائة أحضر نور الدين أعيان دمشق من القضاة ومشايخ العلم والرؤساء , وسألهم عن المضاف الى أوقاف الجامع بدمشق من المصالح ليفصلوها منها , وقال لهم: ليس العمل الا ماتتفقون عليه وتشهدون به , وعلى هذا كان الصحابة رضوان الله عليهم يجتمعون ويتشاورون في مصالح المسلمين , ولايجوز لأحد منكم أن يعلم من ذلك شيئاَ الا ويذكره ولاينكر شيئاَ مما يقوله غيره الا وينكره , والساكت منكم مصدق للناطق ومصوب له , فشكروه على ما قال ودعوا له , وفصلوا له المصالح من الوقف , فقال نور الدين: ان أهم المصالح سد ثغور المسلمين وبناء السور المحيط بدمشق والفضيل والخندق لصيانة المسلمين وحريمهم وأموالهم ثم سألهم عن فواضل الأوقاف هل يجوز صرفها في عمارة الأسوار وعمل الخندق للمصلحة المتوجهة للمسلمين (?) , فأفتى شرف الدين المالكي بجواز ذلك ومنهم من روّى في مهلة النظر , وقال الشيخ ابن عصرون الشافعي: لا يجوز أن يصرف وقف مسجد الى غيره , ولا وقف معين الى جهة غير تلك الجهة وإذا لم يكن بد من ذلك فليس طريقه إلا أن يقترضه من إليه الأمر من بيت مال المسلمين فيصرفه في المصالح ويكون القضاء واجباَ من بيت المال , فوافقه الأئمة الحاضرون معه على ذلك , ثم سأل ابن ابي عصرون نور الدين: هل أنفق شئ قبل اليوم على سور دمشق وعلى بناء ((بعض)) العمارات المتعلقة بالجامع المعمور بغير إذن مولانا؟ وهل كان إلا مبلغاَ للأمر في عمل ذلك؟ فقال نور الدين لم ينفق ذلك ولاشئ منه إلا بإذني وأنا أمرت به (?).