وَأَعُوذ بك من شَرها وَشر مَا أرْسلت بِهِ اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا رَحْمَة وَلَا تجعلنا عذَابا اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا رياحا وَلَا تجعلها ريحًا) طب عَن ابْن عَبَّاس ح

كَانَ إِذا هَاجَتْ ريح وَفِي رِوَايَة الرّيح مُعَرفا اسْتَقْبلهَا بِوَجْهِهِ وَجَثَا على رُكْبَتَيْهِ أَي قعد عَلَيْهِمَا وَعطف سَاقيه إِلَى تَحْتَهُ وَهُوَ قعُود المستوفز الْخَائِف الْمُحْتَاج إِلَى النهوض سَرِيعا وَهُوَ قعُود الصَّغِير بَين يَدي الْكَبِير وَفِيه نوع أدب كَأَنَّهُ لما هبت الرّيح وَأَرَادَ أَن يُخَاطب ربه بِالدُّعَاءِ قعد قعُود المتواضع لرَبه الْخَائِف من عَذَابه وَمد يَدَيْهِ للدُّعَاء قَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك من خير هَذِه الرّيح وَخير مَا أرْسلت بِهِ وَأَعُوذ بك من شَرها وَشر مَا أرْسلت إِلَيْهِ اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا رَحْمَة وَلَا تجعلها عذَابا اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا رياحا وَلَا تجعلها ريحًا لِأَن الرّيح من الْهَوَاء والهواء أحد العناصر الْأَرْبَع الَّتِي بهَا قوام الْحَيَوَان والنبات حَتَّى لَو فرض عدم الْهَوَاء دقيقة لم يَعش حَيَوَان وَلم ينْبت نَبَات وَالرِّيح اضْطِرَاب الْهَوَاء وتموجه فِي الجو فيصادف الْأَجْسَام فيحللها فيوصل إِلَى دواخلها من لطائفها مَا يقوم لِحَاجَتِهِ إِلَيْهِ فَإِذا كَانَت الرّيح وَاحِدَة جَاءَت من جِهَة وَاحِدَة وصدمت جسم الْحَيَوَان والنبات من جَانب وَاحِد قتؤثر فِيهِ أثرا أَكثر من حَاجته فتضره ويتضرر الْجَانِب االمقابل لعكس مهبها بفوت حَظه من الْهَوَاء فَيكون دَاعيا إِلَى فَسَاده بِخِلَاف مَا لَو كَانَت رياحا تعم جَوَانِب الْجِسْم فَيَأْخُذ كل جَانب حَظه فَيحدث الِاعْتِدَال وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ الْعَرَب تَقول لَا تلقح السَّحَاب إِلَّا من ريَاح فَالْمَعْنى اجْعَلْهَا لقاحا من السَّحَاب وَلَا تجعلها عذَابا

تَنْبِيه اسْتشْكل ابْن الْعَرَبِيّ خَوفه أَن يعذبوا وَهُوَ فيهم مَعَ قَوْله {وَمَا كَانَ الله ليعذبهم وَأَنت فيهم}

ثمَّ أجَاب بِأَن الْآيَة نزلت بعد الْقِصَّة وَاعْتَرضهُ ابْن حجر بِأَن آيَة الْأَنْفَال كَانَت فِي الْمُشْركين من أهل بدر وَلَفظ كَانَ فِي الْخَبَر يشْعر بالمواظبة على ذَلِك ثمَّ أجَاب بِأَن فِي الْآيَة احْتِمَال التَّخْصِيص بالمذكورين أَو بِوَقْت دون وَقت أَو بِأَن مقَام الْخَوْف يَقْتَضِي عدم أَمن الْمَكْر أَو خشِي على من لَيْسَ فيهم أَن يَقع بهم الْعَذَاب فالمؤمن شَفَقَة عَلَيْهِ وَالْكَافِر يود إِسْلَامه وَهُوَ مَبْعُوث رَحْمَة للْعَالمين وَفِي الحَدِيث الْحَث على الاستعداد بالمراقبة لله والالتجاء إِلَيْهِ عِنْد اخْتِلَاف الْأَحْوَال وحدوث مَا يخَاف بِسَبَبِهِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015