أي ولما بدا قبل ذلك إلى غير ذلك مما ستقف عليه في موضوعه وكأنهم والله أعلم سهوا عن استحضارهم تلك الأحكام وتنزيل كلامهم بينا عليه وإلا فمثل ذلك مخل بمطلق الكلام فضلاً عن أن يكون بديعاً، ويمكن أن يجاب عن التضمين الأخير بأن قتلته واختصاص بالضرورة لا يخرجانه عن كونه بديعاً. بل يجوز أن يدعى أنه من المحسنات لكن لا يتوصل إليه إلا بارتكاب ما ذكر ولا يلزم منهما أن يورثا الكلام نقصاً ولو لزم. فذلك باعتبار آخر واصطلاح قوم لأن النحوي يبحث عن المعنى الذي يفهم عن الكلام المركب بحسب اختلاف أواخر الكلام. والبديعي يبحث عن وجوه تحسين الكلام بعد رعاية مطابقته لمقتضى الحال ووضوح الدلالة ويشهد لذلك ما ذكره الشيخ سعد الدين في بحث الإيجاز عند تعداد التي فصل بها قوله تعالى (ولَكُمْ في القِصَاصِ حَيَاةُ) على قولهم: القتل أنفى للقتل، وقول صاحب التلخيص: وخلوه عن التكرار أي خلو قوله: (ولكم في القِصَاصِ حَيَاةُ) عن التكرار في قولهم القتل أنفى للقتل. والتكرار من حيث أنه تكرار من عيوب الكلام بمعنى أن ما يخلو عن التكرار أفضل مما اشتمل عليه ولا يلزم على هذا أن يكون التكرار مخلاً بالفصاحة ثم قال: فإن قيل في هذا التكرار العجز إلى الصدر، وهو من المحسنات في الكلام قلنا ليس حسنه من جهة التكرار ولهذا قالوا: الأحسن في رد العجز إلى الصدر أن لا يؤدي إلى التكرار بأن يكون كل من اللفظيين بمعنى آخر (انتهى). فعلى هذا يسوغ للبديعي استعمال القسم الثاني في الاكتفاء مطلقاً والقسم الثاني في النظم خاصة لأنه الموضع الذي آذنت فيه العرب فلا تتجاوز إلى غيره.