(وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الكتاب والحكمة) الآيَةَ قِيلَ فَضْلُهُ الْعَظِيمُ بِالنُّبُوَّةِ وَقِيلَ بِمَا سَبَقَ لَهُ فِي الْأَزَلِ وَأَشَارَ الْوَاسِطِيُّ إِلَى أنَّهَا إشارَةٌ إِلَى احْتِمَالِ الرُّؤْيَةِ الَّتِي لَمْ يَحْتَمِلْهَا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ.
اعْلَمْ أيُّهَا الْمُحِبُّ لِهَذَا النَّبِيِّ الْكَرِيمِ الْبَاحِثِ عَنْ تَفْاصِيلِ جُمَلِ قَدْرِهِ الْعَظِيمِ أَنَّ خِصَالَ الْجَمَالِ وَالْكَمَالِ فِي البَشَرِ نَوْعَانِ: ضَرُورِيٌّ دُنْيَوِيٌّ اقْتَضَتْهُ الجِبِلَّةُ وَضَرُورَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَمُكْتَسَبٌ دِينيٌّ وَهُوَ مَا يُحْمَدُ فَاعِلُهُ وَيُقَرَّبُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى زُلْفَى، ثُمَّ هِيَ عَلَى فَنَّيْنِ أيْضًا مِنْهَا مَا يَتَخَلَّصُ لِأَحَدِ الْوَصْفَيْنِ ومِنْهَا مَا يَتَمَازجُ ويَتَدَاخَلُ فَأَمَّا الضَّرُورِيُّ الْمَحْضُ فَمَا لَيْسَ لِلْمَرْءِ فِيهِ اخْتِيَارٌ وَلَا اكْتِسَابٌ مِثْلُ مَا كان في حملته مِنْ كَمَالِ خِلْقَتِهِ وَجَمَالِ صُورَتِهِ وَقُوَّةِ عَقْلِهِ وَصِحَّةِ فَهْمِهِ وَفَصَاحَةِ لِسَانِهِ وَقُوَّةِ حواسه وأعظائه وَاعْتِدَالِ حَرَكَاتِهِ وَشَرَفِ نَسَبِهِ وَعِزَّةِ قَوْمِهِ وَكَرَمِ أرْضِهِ وَيِلْحَقْ بِهِ مَا تَدْعُوهُ ضَرُورَةُ حَيَاتِهِ إِلَيْهِ مِنْ غِذَائِهِ وَنَوْمِهِ