شيئا قليلا) قَالَ بَعْضُ الْمُتَكَلِّمِينَ: عاتل اللَّهُ الأَنْبِيَاءَ صَلَوَاتُ اللهم عَلَيْهمْ بَعْدَ الزَّلاتِ، وَعَاتَبَ نَبِيَّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ وُقُوعِهِ، لِيَكُونَ بِذَلِكَ أَشَدَّ انْتِهَاءً وَمُحَافَظَةً لِشَرَائِطِ المَحَبَّةِ، وَهَذِهِ غَايَةُ الْعِنَايَةِ، ثُمَّ انْظُرْ كَيْفَ بَدَأَ بِثَبَاتِهِ وَسَلَامَتِهِ قَبْلَ ذِكْرِ مَا عَتَبَهُ عَلَيْهِ وَخِيفَ أنْ يَرْكَنَ إِلَيْهِ.
فَفِي أَثْنَاءِ عَتْبِهِ بَرَاءَتُهُ، وَفِي طَيّ تَخْوِيفِهِ تَأْمِينُهُ وَكَرَامَتُهُ، وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى (قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ) الآية.
قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قَالَ أَبُو جَهْلٍ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنَّا لَا نُكَذِّبُكَ، وَلَكِنْ نُكَذِّبُ مِمَّا جِئْتَ بِهِ، فأنزل الله تعالى (فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ) الآيَةَ.
وَرُوِيَ أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم لما كَذَّبَهُ قَوْمُهُ: حَزِنَ، فجاءه جبرئيل عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَالَ: مَا يُحْزِنُكَ؟ قَالَ: كَذَّبَنِي قَوْمِي، فَقَالَ إِنَّهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّكَ صَادِقٌ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى الآيَةَ، فَفِي هَذِهِ الآيَةِ مَنْزَعٌ لَطِيفُ المَأْخَذِ مِنْ تَسْلِيَتِهِ تَعَالَى لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِلْطَافِهِ فِي الْقَوْلِ: بأَنْ قَرَّرَ عِنْدَهُ أنَّهُ صَادِقٌ عِنْدَهُمْ، وَأنَّهُمْ غَيْرُ مُكَذِّبِينَ لَهُ، مُعْتَرِفُونَ بِصِدْقِهِ قَوْلًا وَاعْتِقَادًا، وَقَدْ كَانُوا يُسَمُّونَهُ قَبْلَ النُّبُوَّةِ الْأَمِينَ، فَدَفَعَ بِهَذَا التَّقْرِيرِ ارْتِمَاضَ نَفْسِهِ بِسِمَةِ الْكَذِبِ، ثُمَّ جَعَلَ