فصل في إعجاز القرآن

فصل فِي إعجاز الْقُرْآنِ اعْلَمْ وَفَّقَنَا اللَّه وَإيَّاكَ أَنَّ كِتَابَ اللَّه الْعَزِيزِ مُنْطَوٍ عَلَى وُجُوهٍ مِنَ الْإِعْجَازِ كَثِيرَةٍ وَتَحْصِيلُهَا من جِهَةِ ضبط أواعها فِي أَرْبَعَةِ وُجُوهٍ: أَوَّلُهَا

حُسْنُ تَأْلِيفِهِ وَالتِئَامُ كَلِمِهِ وَفَصَاحَتُهُ وَوُجُوهُ إِيجَازِهِ وَبَلاغَتُهُ لخارقة عَادَةُ الْعَرَبِ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا أَرْبَابَ هَذَا الشَّأْنِ وَفُرْسَانَ الْكَلَامِ قَدْ خُصُّوا مِنَ الْبَلَاغَةِ وَالْحِكَمِ مَا لَمْ يُخَصَّ بِهِ غَيْرُهُمْ مِنَ الْأُمَمِ وَأُوتُوا من ذَرَابَةِ اللّسَانِ مَا لَمْ يُؤْتَ إِنْسانٌ وَمِنْ فَصْلِ الْخِطَابِ مَا يُقَيّد الْألبَابَ جَعَلَ اللَّه لَهُمْ ذَلِكَ طَبْعًا وَخِلْقَةً وفِيهِمْ غَرِيزَةً وَقُوَّةً يَأْتُونَ مِنْهُ عَلَى الْبَدِيهَةِ بِالعَجَبِ وَيُدْلُونَ بِهِ إِلَى كُلِّ سَبَبٍ فَيَخْطُبُونَ بَدِيهًا فِي الْمَقَامَاتِ وَشَدِيدِ الْخَطْبِ وَيَرْتَجِزُونَ بِهِ بَيْنَ الطَّعْنِ وَالضَّرْبِ وَيَمْدَحُونَ وَيَقْدَحُونَ وَيَتَوَسَّلُونَ وَيَتَوَصَّلُونَ وَيَرْفَعُونَ وَيَضَعُونَ فَيَأتُونَ من ذَلِكَ بِالسّحْرِ الْحَلَالِ وَيُطَوّقُونَ من أَوْصَافِهِمْ أَجْمَلَ من سِمْطِ اللّآل فَيَخْدَعُونَ الْألْبَابَ وَيُذَلّلُونَ الصّعَابَ وَيُذْهِبُونَ الْإِحَنَ ويهجون الدمن ويجرؤن الْجَبَانَ وَيَبْسُطُونَ يَدَ الجعد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015