كما آمنت القبيلة بوحدتها هذا الإيمان العميق الذي ترتب عليه ظهور هذه الطائفة من التقاليد الاجتماعية التي تحدثنا عنها، آمنت بجنسها، وذلك لأن من الأسس التي قامت عليها القبيلة العربية إيمان أبنائها "برابطة الدم"، أي أنهم جميعا من دم واحد.
وقد أثار بعض المستشرقين تشكيكا في "رابطة الدم" هذه: أهي رابطة حقيقية أم رابطة مدعاة؟ 1 وليس يعنينا هنا هذا التشكيك؛ لأن مناقشته والانتهاء إلى رأي فيه إنما تكون في مجال دراسة أصول القبائل العربية وأنسابها، وليس هنا مجال هذه الدراسة، وإنما الذي يعنينا هنا هو أن "كل الأفراد الذين ينتمون إلى قبيلة واحدة كانوا يعدون أنفسهم من دم واحد"2، وأنهم جنس واحد، متشابه العناصر والمقومات، لا يختلف أفراده إلا بمقدار ما يختلف أبناء الأسرة الواحدة، بل إن بعض الباحثين المحدثين يرى أن أفراد الحي الواحد من القبيلة كانوا لا يعدون أنفسهم من "دم واحد" فحسب، ولكن من "لحم واحد" أيضا، ومن ملاحظاته التي يؤيد بها رأيه ما تستعمله اللغة العربية من لفظة "اللُّحمة" في التعبير عن معنى القرابة3، ولعل فيما عبر به العرب عن بعض أشكال جماعاتهم بالبطن والفخذ ما يصور ذلك الإحساس الذي كان يحسه العربي بتلك الصلة "الجسدية" التي تربطه بجماعته.
وقد نشأ عن هذا الإيمان بوحدة الجنس في نفوس أبناء القبيلة إيمان بامتيازه، فقد آمنوا بأنهم جنس ممتاز لا تفضلهم قبيلة أخرى4، وهم يفضلون كل القبائل5، آباؤهم أشرف آباء6، وأمهاتهم أكرم أمهات7، وهم أجدر الناس بأن يكونوا خير الناس8، ولعل في هذا الإيمان بامتياز الجنس ما يفسر