وتتدخل ظاهرة "التضاد الجغرافي" مرة أخرى لترسم لهؤلاء الصعاليك المغامرين طريقهم، وتحدد لهم مناطق نشاطهم، فتكون هي تلك المناطق الخصبة التي تعرفها الجزيرة العربية.
ويلاحظ الدارسون أن هذه الصراع هو الصلة الجغرافية الطبيعية بين الصحاري المقفرة والوديان الخصبة، بين أرض الفقر وأرض الثراء1، فمنذ أقدم العصور، وهذا النطاق الصحراوي الذي يطوق الدنيا القديمة، يرسل على الوديان الخصبة المجاورة موجات متلاحقة من القبائل المغيرة الباحثة عن الخصب في تلك الأرض الطيبة، عندما تقل لديها موارد الرزق، ويحرق جفاف الصيف المراعي، ويجفف موارد المياه2. وليس من الممكن أن يعيش بدو الصحاري وحضر السهول الزراعية في أي مكان متجاورين في سلام وإنما هي الغارات والاعتداءات والثارات3، حتى ليعد هذا النطاق الصحراوي منطقة تقدم لكل أعداء النظام الحماية والأرض الصالحة للتجنيد4.
هكذا اتخذ صعاليك العرب من مناطق الخصب في الجزيرة العربية أهدافا لهم يتجهون إليها، ومناطق نشاط يعملون فيها، حتى إننا لو رسمنا مصورا جغرافيا لحركات الصعاليك في الجزيرة العربية، ووضعنا عليه السهام التي تبين الاتجاهات -كما يفعل أصحاب الخطط الحربية- لوجدنا هذه السهام تخرج من مناطق الجدب، وتتجه رءوسها إلى مناطق الخصب. ويذكر تأبط شرا أن أهدافه هي تلك المزارع الخصبة حيث الماء والزرع والماشية: