رأين فتى لا صيد وحش يهمه ... فلو صافحت إنسا لصافحنه معا1

ويقول صاحب اللامية مخاطبا أهله:

ولي دونكم أهلون: سيد عملس ... وأرقط زهلول، وعرفاء جيأل

هم الأهل، لا مستودع السر ذائع ... لديهم، ولا الجاني بما جر يخُذل2

ومن الطبيعي أن هذا التشرد جعل الصعاليك على صلة قريبة بحيوان الصحراء، استطاعوا عن طريقها أن يعرفوا طباعه وعاداته، وأن يتحدثوا عنه وعنها حديث الخبير المطلع. وفي شعرهم صور كثيرة لحيوان الصحراء ووحشها وطيرها وحشراتها وما يخيل للساري فيها من أشباح، كذلك الوصف الدقيق للضباع وحياتها وطباعها في شعر الأعلم الهذلي3، وكتلك الصورة الرائعة للذئاب الجائعة في لامية العرب4 وكتلك الصور المتعددة للغيلان وما يجري للإنسان معها في شعر تأبط شرا5.

وكان من نتيجة هذا التشرد البعيد في أعماق الصحراء أن أصبح الصعاليك على علم واسع بأسرارها، ومعرفة دقيقة بشعابها ودروبها ومسالكها ومياهها، ومقدرة فائقة على الاهتداء في مجاهلها، واختراق متاهاتها المضلة دون دليل. ورواة الأدب العربي يصفون السليك "البعيد الغارة" بأنه "كان أدل من قطاة"6، بل إنهم يصفون الصعاليك بأنهم "أهدى من القطا"7.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015