ويصرح مرة أخرى بأنه يخجل من الوقوف وسط قطعان الغنم، وقد حمل في يده عصا طويلة حتى أشبه ذلك الطائر المائي الطويل المنقار وقد وقف في مستنقع من مستنقعات المياة الضحلة:
ولست براعي ثلة قام وسطها ... طويل العصا غرنيق ضحل مرسل1
فهم لا يرتضون لأنفسهم إلا تلك الأعمال الأساسية التي يقوم عليها المجتمع البدوي كالغزو والإغارة. يقول تأبط شرا:
متى تبغني ما دمت حيا مسلما ... تجدني مع المسترعل المتعبهل2
ولكنه في الطليعة المتقدمة بين القادة والأبطال.
ثم هم -برغم فقرهم وما يلاقونه من مجتمعهم- كرماء، حتى ليضرب بهم المثل في الكرم3، ويُقرن عروة بحاتم الطائي الذي يعد في نظر العرب المثل الأعلى للجود والسخاء، وقد قال عبد الملك بن مروان: من زعم أن حاتما أسمح الناس فقد ظلم عروة بن الورد4 وأبدى تعجبه من أن الناس ينسبون الجود والسخاء إلى حاتم ويظلمون عروة5، ووصفه الأصمعي بأنه "شاعر كريم"6. والواقع أننا لسنا في حاجة إلى هذه الشهادات وأمثالها؛ لأن أخبار عروة نفسها تفيض بأحاديث كرمه، بل إن الرغبة في الكرم التي كانت تملأ عليه نفسه كانت بعض الدوافع التي دفعته إلى تلك الثورة الاقتصادية التي أعلنها في المجتمع الجاهلي: