وقد سلك الصعاليك السبيلين، أو -بعبارة أدق- انقسموا مع هذين السبيلين إلى طائفتين: طائفة قبلت ذلك الوضع الاجتماعي الذليل، رضيه لهم ضعف في النفس أو ضعف في الجسد أو ضعف في النفس والجسد جميعا، وطائفة رفضت ذلك الوضع، وأبت أن تعيش تلك الحياة الساقطة التافهة المهينة، ووجدت في القوة، قوة النفس وقوة الجسد، وسيلة تشق بها طريقها في الحياة.

وفي شعر عروة موازنة طريفة بين هاتين الطائفتين، يعقدها أبو الصعاليك في دقة وبراعة، ويصور فيها اختلاف ما بينهما في الشخصية، وأسلوب الحياة والغاية التي تنتهي إليها كل منهما1.

وتتجلى قوة نفوس هذه الطائفة الثانية من الصعاليك في استهانتهم بالحياة في سبيل الوصول إلى الغاية التي يسعون إليها. إنهم يريدون أن يحققوا لهم مكانة في هذا المجتمع الذي يحتقرهم ويستهين بهم عن طريق فرض أنفسهم بالقوة عليه، وهم في سبيل هذا لا يبالون بشيء، حتى بالحياة نفسها، فهم جميعا مؤمنون بفكرة الفناء في سبيل المبدأ، وما قيمة الحياة إذا عاش الإنسان فقيرا محتقرا، منبوذا من مجتمعه، مجفوا من أقاربه؟ إن الموت في هذه الحالة خير من الحياة:

إذ المرء لم يبعث سواما ولم يرح ... عليه، ولم تعطف عليه أقاربه

فللموت خير للفتى من حياته ... فقيرا، ومن مولى تدب عقاربه2

فقلت له: ألا احْيَ، وأنت حر ... ستشبع في حياتك أو تموت3

فسر في بلاد الله والتمس الغنى ... تعش ذا يسار أو تموت فتعذرا4

طور بواسطة نورين ميديا © 2015