وأكثر ما يرد ذلك في شعر تأبط شرا، وهي صورة -وإن تكن محاطة بإطار أسطوري- تصور ما كان يخيله الوهم لذلك الصعلوك المغامر المتشرد البعيد الآفاق في الليالي المظلمة بين أرجاء الصحراء الموحشة، حيث تتجسم الرؤى أشباحا مخيفة، وتختلط الأصوات في لحن غامض رهيب. ومع ذلك فقد يكون ما يقصده تأبط شرا من الغيلان تلك الفصيلة من الحيوان المعروفة باسم "الغورلا"1، ولكن هذا لا ينفي أن صورتها عنده محاطة بإطار أسطوري. وهو يصور لقاءه لها، بعد أن يمهد لذلك بالحديث عن الليل، ثم يصفها، ويسجل ما دار بينه وبينها، وتنتهي القصيدة بينهما دائما بقتلها:

وأدهم قد جبت جلبابه ... كما اجتابت الكاعب الخيعلا

إلى أن حدا الصبح أثناءه ... ومزق جلبابه الأليلا

على شيم نار تنورتها ... فبت لها مدبرا مقبلا

فأصبحت والغول لي جارة ... فيا جارتا أنت ما أهولا

وطالبتها بضعها فالتوت ... بوجه تغول فاستغولا

فقلت لها يا انظري كي ترى ... فولت فكنت لها أغولا

فطار بقحف ابنة الجن ذو ... سفاسق قد أخلق المحملا

إذا كل أمهيته بالصفا ... فحد ولم أره صيقلا

عظاية قفر لها حلتا ... ن من ورق الطلح لم تغزلا

فمن سال أين ثوت جارتي ... فإن لها باللوى منزلا2

وهناك مقطوعتان أخريان تصوران قصتين أخريين مع الغول والجن3، ولكن الشك يحيط بنسبتهما إلى تأبط شرا؛ إذ إنهما كما تنسبان له تنسبان لغيره من الشعراء، ولكن هذا لا يدل دلالة واضحة على شهرة تأبط شرا بحديثه عن الجن والغيلان، حتى ليختلط الأمر على الرواة فيما يروى من هذا الحديث أهو له أم لغيره من الشعراء.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015