ويدافع تأبط شرا في قصيدة له عن فراره وتركه رفيقا له بأنه ما كان ليستطيع أن ينتظر حتى يدهمه مطاردوه الذين كانوا وراءه كالنحل، ولا أن يبطئ في عدوه حتى تصيبه السهام التي كانوا يرسلونها خلفه فترديه صريعا، وهو لهذا يثني جسده، ويسرع بعيدا عن الشر كأنه الظليم المذعور:
ولم أنتظر أن يدهموني كأنهم ... ورائي نحل في الخلية واكنا
ولا أن تصيب النافذات مقاتلي ... ولم أك بالشد الذليق مداينا
فأرسلت مثنيا عن الشر عاطفا ... وقلت تزحزح لا تكونن حائنا
وحثحثت مشعوف النجاء كأنني ... هجف رأى قصرا سمالا وداجنا1
وبعد أن يمضي في وصف سرعة الظليم، على طريقة الهذليين في الإلحاح على أوصاف المشبه به، ينتقل إلى الصورة التي رأيناها عند الأعلم، صورة الفزع من الموت على أيدي الأعداء، تلك الصورة التي تقترن عادة بإلقاء الجسد لحيوان البادية الضاري، وبخاصة الضباع، تلك الفصيلة التي اشتهرت بولعها بجيف الموتى كما يقرر علماء الحيوان2، فيحدثنا عن نجاته من مطارديه، ولو لم ينج منهم لأمسى قتيلا في صحراء غبراء، أو بين براثن ضبع تنبش الأرض بحثا عن الجيف:
فزحزحت عنهم أو تجئني منبتي ... بغبراء أو عرفاء تفري الدفائنا
كأني أراها الموت، لا در درها ... إذا أمكنت أنيابها والبراثنا3
ويدافع أبو خراش عن فراره، ويضفي على دفاعه لونا من "المذهبية"،