منهم موقف الزعيم الخبير بنفسية جماهيره1.
ويتحدث تأبط شرا عن رفاقه حديث المعجب بهم، المعتز برفقتهم، المقدر لقيمتهم في حياته المغامرة، تلك الحياة التي يحياها وحيدا إلا منهم، فهم عونة على هذه الحياة، يستعين بهم عليها، ويستغيث بهم إذا أفزعه أمر. وهم دائما أبطال شجعان شعث، لكثرة اشتغالهم بالغزو والكفاح، والضرب في أعماق الصحراء، وجوب آفاقها، عيونهم نفاذة تتوقد بنار الحماسة والجرأة والإقدام كأنها نار الغضا المتأججة:
مساعرة شعث كأن عيونهم ... حريق غضا تُلقى عليه الشقائق2
وهو لهذا لا ينسى أبدا فضلهم وقيمتهم في مغامراته، وهو يسأل الله أن يتولى عنه جزاءهم؛ لأنه عاجز عن جزائهم:
جزى الله فتيانا على العوص أمطرت ... سماؤهم تحت العجاجة بالدم3
فإذا ما سقط أحدهم صريعا اشتد جزعه عليه، فإذا مصابه فيه لا يعدله مصاب، وإذا آماله في الحياة تنهار:
أبعد قتيل العوص آسى على فتى ... وصاحبه أو يأمل الزاد طارق4
وهي يرى أن فقد أحدهم خسارة لا تعوض، وإضعاف للجماعة التي تشق طريقها في الحياة بقوة أبنائها، وكسر لسلاح من أسلحتها يستحق الأسف، بل يستحق الأسى والحزن والبكاء، وهو -على قلة دموعه- لا بيخل بها على من تفقده هذه الجماعة من أبنائها الممتازين، أولئك الذين يمتازون بما يجب أن يمتاز به كل صعلوك عامل: من بصر بكسب المحامد، وسبق إلى غايات المجد، وقوة وزعامة بين الرفاق، وخفة في الجسم، وجرأة على اقتحام الأهوال