كان قريب عهد بخلف، فأكثر أخباره مروية عن تلاميذ الأصمعي عن خلف، ثم إنه كان على صلة بأعمال المدرسة البصرية التي ينتمي إليها خلف1، فإذا أضفنا إلى هذا أن أبا الفرج قد أغفل هذه اللامية في ترجمته للشنفرى إغفالا تاما ولم يشر إليها أي إشارة على كثرة ما روى من شعره2، كما فعل مع اللامية الأولى في ترجمته لتأبط شرا3، وأن لسان العرب -على كثرة ما نقل من شعر الصعاليك- لم يرد أي ذكر لها ولا أي بيت منها، بدأت كفة الشك في صحة نسبتها إلى الشنفرى ترجح.
هذه من الناحية التاريخية، أما من الناحية الفنية فإن أول ما يلفت نظرنا أن هذه اللامية طويلة طولا ليس مألوفا في شعر الصعاليك، وسنرى فيما بعد أن شعر الصعاليك كان في مجموعة شعر مقطوعات، فهذه اللامية تبلغ ثمانية وستين بيتا، في حين لا تزيد أطول قصيدة في "ديوان الصعاليك" وهي تائية الشنفرى المفضلية على خمسة وثلاثين بيتا في بعض المصادر4، أي أن هذه اللامية تبلغ ضعف أطول قصيدة في ديوان الصعاليك تقريبا وإلى جانب هذه نلاحظ قلة الاضطراب في رواية ألفاظها، وفي ترتيب أبياتها، وهي ظاهرة ليست مألوفة في شعر الصعاليك، فقد لاحظنا في أول هذا الفصل أن مما يميز شعر الصعاليك الاضطراب في رواية ألفاظه وترتيب أبياته. فإذا أضفنا إلى هذا ما لاحظه كرنكو5 من قلة أسماء المواضع والأشخاص فيها، وهي ظاهرة ليست طبيعية في قصائد الشعر العربي المبكرة، زادت كفة الشك في صحة نسبة هذه اللامية إلى الشنفرى في الرجحان.
وقد نتساءل بعد هذا: ما السر في تلك العناية الغريبة التي لقيتها هذه