الصحراء كانت تحتاج إلى أشياء كثيرة حتى تصل إلى غايتها البعيدة بسلام.
ولعل أول ما كانت تحتاج إليه "الأدلاء" الذين يهدونها الطريق في دروب الصحراء الملتوية الغامضة، بما لهم من خبرة ودراية بها، حتى لا تضل أو تضيع بين مجاهلها، وتحدثنا الأخبار عن دليلين كانت تستخدمهما القوافل المكية في أيام النبي صلى الله عليه وسلم: فرات بن حيان، وقيس بن امرئ القيس1.
وليس من شك في أن هؤلاء الأدلاء كانوا كثيرين، نظرا لطبيعة البيئة الصحراوية التي تفرض على سالكها أن يكون على علم دقيق بطرقها، ومواقع مياهها، ومنازل الرعي التي تحتاج إليها الإبل في طريقها، ومواطن الأمن والخوف فيها، إلى غير ذلك مما جعل العربي يفخر بمقدرته على هداية الركب "في ديمومة فيها الدليل يعض بالخمس"2، ومكابدته الخرق الذي:
ينسى الدليل به هدايته ... من هول ما يلقى من الرعب3
ولم يكن هذا العلم الواسع ليتهيأ إلا لأولئك البدو الذين يعيشون في قلب الصحراء، ويضطرون تحت الظروف الجغرافية إلى التنقل من منزل إلى منزل، أما أبناء المدن من العرب المستقرين فلم يكن يتاح لهم -أو لأكثرهم على الأقل- شيء من هذا، فلم يكن هناك بد من استعانتهم بهؤلاء الأدلاء "جوابي الصحراء الذين لا يتعبون" كما يصفهم لامانس4، والذين لم تعد الصحراء أمامهم سرا مغلقا، وإلا كان إقدامهم على اختراقها مغامرة جنونية