990* حكى الهيثم (بمن عدىّ) عن أبى مسكين «1» قال: خرج منّا فتى حتى إذا كان ببئر ميمون، إذا جماعة على جبل من تلك الجبال، وإذا بينهم فتى قد تعلّقوا به، مديد القامة طوال أبيض، جعد الشعر أعين، أحسن من رأيت من الرجال، وإذا هو مصفرّ مهزول شاحب اللون، قال: فسألت عنه؟
فقالوا: هذا قيس الذى يقال له المجنون «2» ، خرج به أبوه الملوّح حين ابتلى بما ابتلى به إلى الحرم مستجيرا بالبيت، لعلّ الله أن يفرّج عنه، ومن رأيه أن يستجير بقبر النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: ما يصنع هاهنا وما لكم تمسكونه؟ قالوا: لما يصنع بنفسه، فإنّه يصنع بها صنيعا يرحمه منه عدوّه، ويقول: أخرجونى أتنسّم صبا نجد، فنخرجه إلى هاهنا، فيستقبل بلاد نجد عسى أن تهبّ له الصّبا، ونكره أن نخلّى سبيله فيرمى بنفسه من الجبل، فلو شئت دنوت منه فأعلمته أنّك قدمت من نجد فيسألك عنها وعن بلاده فتخبره، فقلت: أفعل، فقالوا: يا أبا المهدى! هذا رجل قدم من (بلاد) نجد، فتنفّس تنفّسا ظننت أنّ كبده قد انصدعت، ثم جعل يسألنى عن واد واد وموضع موضع، وأنا أصف (ذلك) له، وهو يبكى أحرّ بكاء وأوجعه للقلب، ثم قال:
ألا ليت شعرى عن عوارضتى قنى ... لطول اللّيالى هل تغيّرتا بعدى «3»
ومن علويّات الرّياح إذا جرت ... بريح الخزامى هل تهبّ على نجد
وعن أقحوان الرّمل ما هو فاعل ... إذا هو أسرى ليلة بثرى جعد