وقمت إلى سقاء لبن، فصببت له فى قدح وشننت عليه ماء باردا، وناولته فشرب فتراجع، فقلت: لقد جهدت فما أمرك؟ قال: أردت مصر فجئت أودّعكم وأسلّم عليكم، وأنا والله فى هذه الهضبة التى ترين منذ ثلاث، أنتظر أن أجد فرجة حتّى رأيت منحدر فتيانكم العشيّة، فجئت لأحدث بكم عهدا، فحدّثنا ساعة ثم ودّعنا وانطلق، فلم نلبث إلّا يسيرا حتّى أتانا نعيّه من مصر، قال ابن عيّاش: فظننت قوله:
فمن كان فى حبّى بثينة يمترى ... فبرقاء ذى ضال علىّ شهيد [1]
أنّه أراد هذه الهضبة التى أقام فيها أيّاما ما أكل وما شرب.
745* وقال سهل بن سعد السّاعدىّ أو ابنه عبّاس [2] : لقينى رجل من أصحابى، فقال: هل لك فى جميل فإنّه ثقيل؟ فدخلنا عليه وهو يكيد بنفسه [3] ، وما يخيّل لى أنّ الموت يكرثه [4] ، فقال: ما تقول فى رجل لم يزن قطّ، ولم يشرب خمرا قطّ، ولم يقتل نفسا حراما قطّ، يشهد أن لا إله إلا الله؟ فقلت: أظنّه والله قد نجا، فمن هذا الرجل؟ قال: أنا، قلت: والله ما سلمت وأنت منذ عشرون سنة [5] تنسب ببثينة! قال: إنى لفى آخر يوم من