كنتما نزهة الكرام فلما ... مت مات الندى ومات الكرام
والمهم في المقطوعة أن صاحبها كان جريئا شجاعا، وكان وفيا للجنيد، فقد صور حزنه وتفجعه عليه، ورفع صوته بالدعاء له، مع أنه توفي بعد أن أعفاه هشام بن عبد الملك من منصبه، ومع أن الوالي الجديد، وهو عاصم بن عبد الله الهلالي كان يبغضه بغضا شديدا، وتعقب عماله وأقرباءه وسجنهم. فجر عليه رثاؤه للجنيد، بل وفاؤه له حيا وميتا أن تحاماه عاصم، وتحامل عليه خالد بن عبد الله القسري1، أمير العراق، لأن الأخير كان يريد من أبي الجويرية، وهو من حلفاء الأزد وأهل اليمن أن يجرح الجنيد، ويطعن في شخصيته، وينتقد الولاة القيسيين الذين خلفوا أخاه أسدا على خراسان.
ومات أسد بن عبد الله القسري بقرية من قرى بلخ، فرثاه ابن عرس العبدي بقوله2:
نعى أسد بن عبد الله ناع ... فريع القلب للملك المطاع
ببلخ وافق المقدار يسري ... وما لقضاء ربك من دفاع
فجودي عين بالعبرات سحا ... ألم يحزنك تفريق الجماع
أتاه حمامه في جوف صيغ ... وكم بالصيغ من بطل شجاع3
كتائب قد يجيبون المنادي ... على جرد مسومة سراع4
سقيت الغيث إنك كنت غيثا ... مريعا عند مرتاد النجاع5
فالشاعر وإن استسلم للقضاء وأذعن للقدر، فإنه عاجز عن التجلد على الفجيعة بأسد، فقد كبرت الرزية به، ولذلك فإنه يبكيه، ويعول في البكاء عليه، بل على خلاله النبيلة من الإباء والمضاء والجود، والنخوة والمروءة.