ففي هذه المقطوعة يظهر كعب الأشقري بسالة يزيد بن المهلب، وقد لقيه الترك في خمسمائة فارس، وقطعوا عليه الطريق، وهو يسير في ستين فارسا من كس بما وراء النهر، وكان أبوه يقيم بها سنتي إحدى وثمانين واثنتين وثمانين، إلى مرو الشاهجان، حيث مات أخوه المغيرة، خليفة أبيه، والقائم بأعماله. فجالدهم أشد جلاد وأعنفه، دون أن يتغلب عليهم، أو يتغلبوا عليه، ولم يزل كل فريق منهم يهاجم الآخر، ويكر عليه، حتى أسدل الظلام أستاره، تفرق الترك عنه وواصل سيره. وكعب لا يطلعنا على بطولة يزيد فحسب، وإنما يطلعنا على بطولة فرسانه، فهو يكبر فيه صلابته، ويكبر في فرسانه عزيمتهم، وكيف أنهم لم ينكصوا عن مقاتلة الترك مع كثرة عددهم، فقد صمدوا لهم، وصدقوا في منازلتهم، معرضين أنفسهم للخطر، ورامين أفراسهم على الهلاك. يقول1:

والترك تعلم إذ لاقى جموعهم ... أن قد لقوه شهابا يفرج الظلما2

بفتية كأسود الغاب لم يجدوا ... غير التأسي وغير الصبر معتصما3

نرى شرائج تغشى القوم من علق ... وما أرى نبوة منهم ولا كزما4

وتحتهم قرح يركبن ما ركبوا ... من الكريهة حتى ينتعلن دما5

في حازة الموت حتى جن ليلهم ... كلا الفريقين ما ولى ولا هربا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015