من مبلغ عني الإمام الذي ... قام بأمر بين ساطع
إني نذير لك من دولة ... قام بها ذو رحم قاطع
والثوب إن أنهج فيه البلى ... أعيا على ذي الحيلة الصانع1
كنا نداريها فقد مزقت ... واتسع الخرق على الراقع2
وبذلك باءت بالفشل الخطوة السياسية العميقة التي اتخذها يحيى بن نعيم بن هبيرة البكري، بموادعته لنصر، ولم ترد على قبيلته شيئا من المكاسب التي توخاها منها، على نحو ما آتت خطوة يحيى بن الحضين البكري ثمارها حين أيد الخليفة على عاصم بن عبد الله الهلالي، والحارث بن سريج التميمي، وحققت لقبيلته أكبر الفائدة، لأنه غامر بوقوفه بقبيلته مع الكرماني زمنا طويلا، واستغل رجوعه إلى نصر ومضر في ظرف متأخر، ووضع متدهور فجنى على قبيلته وحلفائها، وقضى على مضر وحلفائها. ولو أن حرصه على وجود العرب وسيادتهم هو الذي أملى عليه أن يتخذ قراره النهائي بالانقطاع عن الأزد، لكان ينبغي عليه أن يتخذه منذ اشتعال الفتنة الأخيرة بين اليمنية والمضرية.
ومما يرجع تفسيرنا لمواقف بكر تفسيرا سياسيا قبليا، ويغري به، هذا الالتحام الوثيق الذي نبصره بين مواقف قادتها من الأحداث وسيرها، ومواقف شعرائها. فقد كانوا عصبة واحدة متراصة متعاونة، لا يخالف أحدهم الآخر ولا يشذ عنه. ومرد ذلك فيما نعتقد وضوح تمثلهم لسياسة قبيلتهم، وصدورهم جميعا عنها، ودقة علمهم بمصلحتها، وإخلاصهم في العمل لها. فعندما كانت بكر ضالعة مع الأزد، دافع شعراؤها عن موقفها، وصوبوا رأي زعمائها، كما مر بنا عند خلف بن خليفة، والمنذر الرقاشي، وحينما آلت إلى نصر ومضر تشبث شعراؤها بخطتها، وانتصروا لها. ويظهر ذلك في قطعة من قصيدة رواها المرزباني لعمارة بن فراس الحنفي قالها بعد تحول قبيلته عن