يوجب الألم، فلا يفرق بين من يفعل خيرًا، وبين من يفعل شرًا، وهذا ممتنع طبعًا وعقلاً وشرعًا.
وقال في موضع آخر: (وأما القدر: فإنه لا يحتج به أحد إلا عند اتباع هواه، فإذا فعل محرمًا بمجرد هواه وذوقه ووجده، من غير أن يكون له علم بحسن الفعل ومصلحته استند إلى القدر، كما قال المشركون: (لَوْ شَاء اللهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا) الآية، فبين أنهم ليس عندهم علم بما كانوا عليه من الدين، وإنما يتبعون الظن.
والقوم لم يكونوا ممن يسوغ لكل واحد منهم الاحتجاج بالقدر، فإنه لو خرب الكعبة، أو شتم إبراهيم الخليل، أو طعن في دينهم لعادوه وآذوه، فكيف وقد عادوا النبي صلى الله عليه وسلم على ما جاء به من الدين، وما فعله هو أيضًا من المقدور، فلو كان الاحتجاج بالقدر حجة لكان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فإن كان كل ما يحدث في الوجود فهو مقدر، فالمحق والمبطل يشتركان في الاحتجاج بالقدر ـ إن كان الاحتجاج به صحيحاً ـ، ولكن كانوا يتعمدون على ما يعتقدونه من جنس دينهم، وهم في ذلك يتبعون الظن ليس لهم به علم بل هم يخرصون).
والمقصود: بيان كون هذا الأمر شركًا بالله جل شأنه، ولهذا جاء الوعيد من الله لمن يعتقد بمثل هذا الاعتقاد بقوله تعالى: (ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ (48) إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ).