وبعضهم يقول: الظلمة تتولد شياطين، والنور يتولد ملائكة، والنور لا يقدر على الشر، ولا يجيء منه، والظلمة لا تقدر على الخير ولا يجيء منها، ولهم مذاهب سخيفة جدًا.
واختلفوا هل الظلمة قديمة أو حادثة؟ فقالت فرقة منهم: هي قديمة لم تزل مع النور، وقالت فرقة: بل النور هو القديم، ولكنه فكر فكرة خبيثة رديئة حدثت منها الظلمة، فدار مذهبهم على أصلين هما من أبطل الباطل.
أحدهما: أن شر الموجودات وأخبثها وأردأها: كفو لخير الموجودات، وضد له، ومناوئ له، ويعارضه ويضاده، ويناقضه دائمًا، ولا يستطيع دفعه، وهذا أعظم من شرك عباد الأصنام، فإنهم جعلوها مملوكة له، مربوبة مخلوقة، بخلاف هؤلاء.
والأصل الثاني: أنهم نزهوا النور أن يصدره شر، ثم جعلوه منبع الشر كله وأصله ومولده ـ بزعمهم أنه فكرة خبيثة حدثت منها الظلمة ـ فأثبتوا ربين وإلهين ـ وإن لم يكونا متماثلين ـ وأثبتوا خالقين، فجمعوا بين الكفر بالله تعالى وأسمائه وصفاته، ورسله وأنبيائه وملائكته وشرائعه، وأشركوا به أعظم الشرك.
قال ابن القيم: (ولولا أن الله سبحانه يحكي عن المشركين والكفار أقوالاً أسخف من هذا وأبطل لاستحى العاقل من حكاية هذا).
فهذا مذهب الثنوية، وقد أطلت فيه؛ لأني أراهم من شرك الأمم السابقة الذي نحن بصدد ذكره.