يقول الحافظ ابن كثير في تفسير هذه الآية: (يخبر تعالى عما خطب به إبليس أتباعه بعدما قضى الله بين عباده فأدخل المؤمنين الجنات؛ وأسكن الكافرين الدركات: فقام فيها إبليس ـ لعنه الله ـ يومئذ خطيباً ليزيدهم حزناً إلى حزنهم وغبناً إلى غبنهم وحسرة إلى حسرتهم فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ) أي على ألسنة رسله ووعدكم في اتباعهم النجاة والسلامة، وكان وعدًا حقاً وخبراً صدقًا، وأما أنا فوعدتكم فأخلفتكم، ثم قال: (وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ) أي ما كان لي دليل فيما دعوتكم إليه ولا حجة فيما وعدتكم به (إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي) بمجرد ذلك، هذا وقد أقامت عليكم الرسل الحجج والأدلة الصحيحة على صدق ما جاؤوكم به، فخالفتموهم فصرتم إلى ما أنتم فيه (فَلَا تَلُومُونِي) اليوم (وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ) فإن الذنب لكم أنكم خالفتم الحجج وابتعتموني بمجرد ما دعوتكم إلى الباطل (مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ) أي بنافعكم ومنقذكم ومخلصكم مما أنتم فيه: (وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ) أي بنافعيّ بإنقاذي مما أنا فيه من العذاب والنكال (إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ).

قال قتادة: أي بسبب ما أشركتمون من قبل؛ وقال ابن جرير: يقول: إني جحدت أن أكون شريكاً لله عز وجل، وهذا الذي قاله هو الراجح ... وقوله: (إِنَّ الظَّالِمِينَ) أي في إعراضهم عن الحق واتباعهم الباطل لهم عذاب أليم.

والظاهر من سياق الآية أن هذه الخطبة تكون من إبليس بعد دخولهم النار كما قدمنا، ولكن قد ورد في حديث رواه ابن أبي حاتم وهذا لفظه وابن جرير ... عن عقبة بن عامر، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إذا جمع الله الأولين والآخرين، فقضى بينهم ففرغ من القضاء قال المؤمنون: قد قضى بيننا ربنا فمن يشفع لنا؟ فيقولون: انطلقوا بنا إلى آدم وذكر نوحًا، وإبراهيم،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015