يكن بمكة يومئذ أحد، ولا ماء، ووضع عندها جراباً فيه تمر، وسقاء فيه ماء، فجعلت أم إسماعيل ترضع ابنها وتشرب من ذلك الماء، حتى نفد ما في السقاء فعطشت وعطش إسماعيل عليه السلام، وجعل يتمرغ من شدة العطش، فوجدت هاجر الصفا أقرب جبل إليها، فقامت عليها لترى أحدًا، فهبطت من الصفا ثم أتت المروة، فقامت عليها فلم تر أحدًا، فعلت ذلك سبعاً، (فلما أشرفت المروة سمعت صوتًا .. فقالت: قد أسمعت إن كان عندك غواث)، وفي رواية: (أغث إن كان عندك خير).

فهذه القصة من أقوى الأدلة عند المتصوفة والقبورية على الإطلاق، فإن فيها تنصيصًا بلفظ الغوث وفيها استغاثة بالغائب عن البصر، وعلى طلب الغوث والمدد من الغائب عن النظر.

يجاب عن هذه الشبهة بما يلي:

إن هذه القصة لا صلة لها بالاستغاثة بالغائب الذي لا يقدر ولا ينفع أو الميت الذي لا يعلم ولا يرى ولا يسمع، كما لا علاقة لها بطلب ما لا يقدر عليه إلا الله، بل تدل على جواز الطلب من الحي الحاضر فيما يقدر عليه، فإن هاجر لما نفد الماء ما نادت أحدًا بالاستغاثة، بل إنما نادت لما أحست صوتًا وسمعها، حيث سمعت الصوت من جبريل الحاضر الحي، فطلبت منه ما كان يقدر عليه وإن لم تكن تراه، ومن ظن غير ذلك فقد افترى على أمنا هاجر،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015