عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ).
ثم إننا لو أولنا إسنادهم الأمور إلى غير الله واستغاثتهم بغير الله وطلب النفع ودفع الضر من غير الله باحتمال المجاز العقلي فماذا نفعل بأعمالهم الشركية فهل يمكن تأويلها أيضاً بالمجاز؟ وإذا قلنا نؤول، فبأي شيء نؤول سجودهم على أعتاب الأضرحة وطوافهم بالقباب، وذبحهم للقرابين وبذلهم النذور؟ فهل هذه الأعمال الشركية والأفعال الكفرية أيضاً: من باب المجاز؟
إن من المعروف أن التأويل والمجاز ـ حتى عند القائلين بهما ـ لا يذهب إليهما إذا إذا كان غير منصوص، وأما إذا كان منصوصاً مثل الأبيات الشعرية التي أوردناها والحكايات التي ذكرناها عن المتصوفة فلم يقل أحد بأن في المنصوص أي مجاز، وإنما المجاز ـ على رأي القائلين به ـ يكون على الظاهر المحتمل له.
الأهم من هذا كله هو أن المشركين الذين نزل فيهم القرآن الكريم، وحكم بكفرهم كانوا يعتقدون السببية والتوسط، وهذا هو حجة من يرى المجاز العقلي، ويبيح إسناد الأمور الخاصة بالله في ربوبيته وألوهيته لغير الله، فلو أن اعتقاد السببية والتوسط ينفع في حمل كلام من يدعو غير الله تعالى على المجاز العقلي، ويمنع من الحكم عليه بالشرك؛ لكان الله تعالى أعذر المشركين الذين يعتقدون التسبب والوساطة، ولحكم بالكفر على من يعتقد الاستقلال فقط. ولكن الله عز وجل حكم بالكفر على هؤلاء المشركين القائلين بالتسبب والتوسط، كما سيأتي ذكرهما في الشبهة التالية.