مرة أو مرتين، ولكن مشروعاتهم لم يكتب لها التوفيق1. ويحتمل أنهم عاودوا إرسال الجيوش بالبر مرة أخرى في عهد بسماتيك الثاني "594 - 588ق. م" حيث أشارت نصوص عسكرية في أبي سنبل إلى امتداد نفوذه حتى قرقميش. ثم روى هيرودوت أن الفرعون أبريس "واح إب رع" "588 - 568ق. م" هاجم صيدا وصور برًّا وبحرًا بعد خضوعها للبابليين خوفًا من اتخاذهما سبيلًا لمهاجمة مصر عن طريق البحر2 "راجع ص305".

وواصل بنوخذ نصر الثاني "وصحيح اسمه في البابلية "نابو -كدوري -أوصر" بمعنى "الإله نابو يحمي الحدود" مشروعاته في الشام بعد اعتلائه العرش "605 - 562ق. م"، وسيطر على لبنان "لبنانو" وبرر عمله فيها بمنطق الفاتحين، فاعتبر نفسه محررها وناشر السلام في ربوعها، وادعى رعايته لأهلها المشردين، وبرر اهتمامه بها بملكية ربه مردوك لغاباتها وحب أربابه العراقيين لأخشابها وروائحها الزكية، ثم وعد أهلها بأن ينقش صورته على سفوح جبالهم حتى لا يعتد معتدٍ عليهم أو يعكر أحد صفو أمنهم3.

وخلدت التوراة والأساطير حروب نبوخذ نصر مع مدينتين، وهما: أورشليم عاصمة يهوذا، وصور الميناء الحصينة. وقد أسلفنا كيف تذبذبت يهوذا بين مصر وبين بابل في بداية النهضة البابلية، وكيف هزم فرعون نيكاو حاكم أورشليم اليهودي يوشيا عام 608ق. م. في مجدو، وكيف عزل ولده من بعده وعين على المدينة يهو ياقيم وألزمه الجزية. وظل الأمر كذلك حتى زال خوف أورشليم من مصر بعد موقعة قرقميش، فعادت إلى ترددها في علاقاتها مع بابل بين الطاعة وبين العصيان، حتى هاجمها نبوخذ نصر حوالي عام 600ق. م فاستسلمت له بسهولة، وأعلن له حاكمها يهو ياقيم الطاعة وصار عبده ثلاث سنوات على حد تعبير سفر الملوك، ثم ثار عليه بعدها وكون حلفًا ضده، فهاجمه نبوخذ نصر وضربه بمن خرجوا عن حلفه من أهل الشام و"أرسل ضده جيشًا مؤلفًا من كلدانيين وسوريين ومؤابيين وعمونيين" كما روت التوراة. وانتصر البابليون وأعوانهم في عام 597ق. م. وأسروا ملك أورشليم وعدة آلاف من جنوده وأهل دولته، وكان فيهم ألف من الصناع، وأمر نبوخذ نصر بنفي الأسرى جميعًا إلى بابل. وأطلق اليهود على هذا النفي اسم السبي الأول، ويبدو أن صحبهم فيه نبيهم حزقيال.

وعين نبوخذ نصر "صدقيا" اليهودي واليًا على أورشليم، تحت إشرافه، فظلت يهوذا خاضعة للبابليين أحد عشر عامًا، ثم ثارت عليهم، وانقسم أهلها حينذاك شيعتين، أشرنا إليهما في صفحة 306، شيعة تزعمها صدقيا وتكلم باسمها النبيء حننيا فدعا إلى كسر نير بابل والثورة عليها باسم الرب، وشيعة أخرى مضادة تزعمها النبي إرميا ودعا معها إلى وضع أعناق الأمة تحت نير ملك بابل بأمر الرب أيضًا4

طور بواسطة نورين ميديا © 2015