والأساطين بحيث تؤلف بعض رءوسها الملونة الظاهرة إشكالًا زخرفية تشبه هيئات المثلثات وخطوط الزجزاج1.
وبلغ من افتتان بعض الباحثين بآثار فجر التاريخ العراقي التي أجملنا مظاهرها الأساسية في الصفحات السابقة، أن افترضوا لأصحابها توسعًا سياسيًّا يزيد عن رقيهم الحضاري. فنسب إليهم صمويل نوح كرامر ما أسماه أول إمبراطورية سامية إيرانية في بلاد "ما بين" النهرين، وافترض أن نفوذ هذه الإمبراطورية قد امتد من العراق إلى غرب إيران حيث شمل أرض عيلام، وافترض وجود دولة حاجزة في أقاليم غرب إيران تفصل بين إمبراطورية "ما بين" النهرين هذه وبين البرابرة2. غير أن مثل هذا الغلو في التقدير ليس له ما يبرره في عصر فجر التاريخ العراقي البعيد، لا سيما إذا قدرنا أن أكثر من خمسة قرون من العصور التاريخية نفسها قد مرت بعد ذلك دون أن يجتمع سكان بلاد النهرين في دولة واحدة، ناهيك بإمبراطورية واحدة! "مع ملاحظة تسميته "بلاد ما بين النهرين"، وليس بلاد النهرين، في الترجمة العربية لهذا الكتاب".
وعلى أية حال فإن بدايات ابتداع علامات الكتابة في أواخر عصر الوركاء، وهي ما سوف نتناولها في سياق حديث خاص في صفحات تالية، تكفي لتمييزها عما سبقها، وتجعلها مبشرة بتحضر واسع يأتي بعدها.