الرجلين، وإن نجح نجاحًا لا بأس به في التعبير عن حركة أذرعها خلال إطلاق القوس وتصويب الرمح، وصورهما بأنف أفعى بعض الشيء.
ثم بدأ فنانو العصر في أواخر فتراته ممارسة تجاربهم لتنفيذ النقش الغائر والنقش المجسم والنقش المفرغ، وكانوا أكثر توفيقًا في النوعين الأخيرين، ومن روائعهما كأس منقوشة من تل أجرب برز من أحد وجهيها بطل أسطوري ربعة، عار إلا من حزام حول وسطه، ذو لحية طويلة ممشطة وشعر مرسل، يضغط بيديه على كفلي شبلين يلتفتان بوجهيهما إليه كأنما يستنكران ضغطه عليهما، وقد بدت آثار الجهد على الرجل في تجاعيد جبهته وانطباق شفتيه واتساع محجري عينيه. وبرز على الوجه الآخر للكأس أسدان فاغرا الفاهين، على مستوى أعلى من مستوى الشبلين.
ووجدت قاعدة كأس حجرية أخرى في تل أجرب أيضًا نقشت عليها هيئة الشيخ الربعة ولكن بخف صوفي "؟ " طويل، يمسك ذنبي أسدين يهاجمان فحلين حرافيين برأسين ملتحيين1. وقد أزال فنان الكأسين جزءًا من الأرضية التي تحيط بأشكال كأسه الأولى، وأزالها تمامًا في قاعدة كأسه الثانية فبدت أشكالهما مجسمة واضحة.
وتعددت محاولات النقش على عدة أوانٍ وكئوس أخرى جمع بعضها بين أسلوب النقش البارز العادي وبين أسلوب الصور المجسمة، كأن ينقش جسم حيوان مثلًا على سطح آنية نقشًا عاديًّا، على حين يبرز رأسه منها بروزًا كاملًا ويواجه الرائي باتساعه كأنه رأس تمثال مجسم2. وظلت أمثال هذه الأواني على صغرها تعتبر من أدوات الترف ومن كنوز المعابد في عصرها، بحيث طعم بعضها بالصدف والمحار واليشب الأحمر3.
وخطا فن النحت خطواته البطيئة كذلك خلال بواكير العصر الكتابي، وتخلفت من نماذجه الصغيرة تماثيل لحيوانات أليفة وضارية وتماثيل بشرية وتماثيل كائنات أسطورية وخرافية. وكان من هذه التماثيل ما ينحت قائمًا بذاته، ومنها ما يعتبر جزءًا من تركيبات أخرى، كأن ينحت الصانع أو المثال قاعدة قطعة ثمينة من مقتنيات المعابد والقصور، أو مقدمتها، مثل المباخر والمذابح والأحواض وموائد القرابين وقطع الزينة، على هيئة رأس شاة4، أو على هيئة كبش بارك يواجه الرائي برأسه بينما يخرج من ظهره قائم معدني يربطه ببقية القطعة التي يتصل بها5.
وكان من المثالين من يرمز إلى معبوده أو إلى الحارس المقدس الذي يرعى معبده أو يرعى قصر مولاه، بتمثال كائن أسطوري يجمع بين عناصر مختلفة، كأن يجمع بين جسم الأنثى وهيئة القردة ووجه اللبوءة6.