أختام أخرى إلى كفاح الأفراد ضد أخطار بيئتهم الخشنة، مع شيء من المبالغة التي ترتفع بهم إلى مصاف الأبطال، كتصوير راعٍ يدفع أسدًا ضخمًا بعيدًا عن بقرته دون خشية منه1.

وصورت النقوش نفسها حيوانات بيئتها تصويرًا يستهدف تسجيل حياتها العادية في بعض أمره، ويستهدف غرض الزخرفة في بعض أمره. فصورتها أحيانًا يتلو بعضها بعضًا ويهاجم بعضها بعضًا من الخلف2. وألفت من صور الأفاعي الضخمة وصور الأسود برقاب تشبه الأفاعي مجموعات زخرفية محورة يواجه كل حيوان فيها حيوانًا آخر يماثله ويتداخل فيه بحيث تلتف عنق كل منهما على عنق الآخر وتؤلفان بجزئيهما العلويين هيئة حلقة مستديرة، بينما يواجه رأس كل منهما رأس الآخر يدابره3.

ولعبت صور المراكب دورها في مناظر الأختام، ودلت على أهميتها في حياة الناس وانتقالالتهم. وكانت مراكب ذات طرفين مرتفعين يميلان إلى الداخل أو إلى الخارج، وامتازت في أغلب صورها برموز تخطيطية تدل على أصحابها أو ترمز إلى معبوداتهم، وتناسب في الوقت ذاته المناظر المسجلة معها، وهي مناظر كان منها ما هو دنيوي الطابع يتألف من تصوير صاحب المركب وزوجته4، كما كان منها ما هو ديني الطابع يتألف من تصوير جانب من حفل في عيد إحدى المعبودات5، تصويرًا مختصرًا بطبيعة الحال.

وكان من البدهي أن يتفاوت مدى إتقان أمثال هذه النقوش بتفاوت كفايات الصناع وثراء أصحابها النسبي ومدى التطوير الفني والفكري في عصرها. غير أن صور الحيوانات فيها ظلت على وجه الإجمال أكثر إتقانًا من صور الإنسان، وقد صورها الفنانون من الجانب دائمًا، وبرع بعضهم في تصوير قوة عضلات أجسام الأسود6، وتصوير تحركات الماعز والأغنام وتفاصيل قرونها وشعروها وأصوافها، والتعبير عن عجزها إزاء هجمات الوحوش الكاسرة، وتصوير ضرواة الأفاعي7. والتزام بعض أولئك الصناع الفنانين بتصوير كل حيوان مستقلًّا عن الآخر لإظهار فرديته. بينما مارس عدد آخر منهم بعض قواعد المنظور الأولية في تصوير الحيوانات، فصوروا بعضها يخفي أجزاء بعضها الآخر حين سيره8.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015