...
ثانيًا: عقائد البعث والخلود
طمعت أغلب شعوب العالم القديم في الخلود واستئناف الحياة بعد الممات، كما طمع المصريون سواء بسواء. ولكن بينما رتبت هذه الشعوب طمعها في الخلود على الأمل وحده ووقفت عنده، رتب المصريون طمعهم فيه على المنطق والعمل والأمل والعقيدة في آن واحد، وكانوا أول أمة آمنت بالبعث والخلود من تلقاء نفسها وأصرت عليهما1.
وافترض المصريون للإنسان مقومات عدة، طبيعية ومكتسبة، أهمها سبعة، وهي: جسم مادي "خت"، وقلب مدرك "إب"، وطاقة أو فاعلية أو نفس فاعلة "كا"2، واسم معنوي "رن"، وظل ملازم "شوت"، وروح خالدة تسري في الظاهر والباطن "با"، ونورانية شفافة "آخ". وتشتد صلته بالاثنتين الأخيرتين منها بعد وفاته، إذا كان صالحًا. واعتقدوا أنه لا بقاء للمرء في أخراه إلا باجتماع كل هذه المقومات، وأنه لا سعادة لها في جملتها دون مساعدة خارجية. ولهذا تلمسوا سبل الاهتمام بكل واحد منها على حدة، إلى جانب الاهتمام بها جميعها كوحدة واحدة. فالجسد ينبغي أن يصان ويحنط، والقلب يحفظ ويعوذ، والكا أو النفس الفاعلة تتلي التراتيل باسمها من أجل صاحبها وتقدم القرابين لصالحها، والروح تتنقل ما شاء لها ربها في عالم الأرض أو في عالم السماء ما دامت مؤمنة، والنورانية تكتسب بالتقوى، والاسم يخلد عن طريق صالح الأعمال، وترديده في الدعوات وتكراره في نقوش المقبرة وقرنه بالسمعة الطيبة للأسرة عن طريق جهود الابن الأكبر3.
ووجد المصريون في خصائص بيئتهم ما يوحي لهم بمنطقية الخلود ويشجعهم على طلبه. فقد اعتادت أغلب أجيالهم منذ فجر تاريخهم على أن يدفنوا موتاهم في الحواف الصحراوية "والغربية منها بخاصة"، لينأوا بمقابرهم عن رطوبة الأرض الطينية، ويتركوا الأرض الطميية للزراعة. ويوفروا أراضي القرى لأحيائها. وشيئًا فشيئًا تبينوا أن مقابرهم الصحراوية تحفظ جثث موتاهم بحالة لا بأس بها لفترات غير