ثانيًا: دفع النوبة لمصر في عصر الأسرة الخامسة والعشرين 730 - 665ق. م
ولي الحكم في أغلب هذا العصر قادة من نباتا في بلاد كاش بالنوبة العليا. ولم يكن هؤلاء بدورهم أغرابًا عن مصر وحضارتها، ولم يعتبروا أنفسهم دخلاء أو غزاة، وإنما رددوا في متونهم أنهم أحلاف لطيبة وأتباع الدين الصحيح لإلهها آمون. ومن المحتمل كما قدمنا "في ص281" أن بعض أسلافهم كانوا من كبار أهل طيبة غادروها أنفة من الخضوع للمهجنين المتمصرين في بداية تسيطرهم، ولحق بهم بعض من نفاهم ثكرتي الثاني وشاشانق1، ونزحوا بعيدًا عنها إلى أقصى الحدود المصرية قرب الشلال الرابع حيث ينهض جبل برقل الذي اعتبرته نصوص الدولة الحديثة جبلًا طاهرًا وعرشًا مقدسًا لآمون في الجنوب، وهو جبل أوتل منفرد مسطح يتوسط صحراء حصباء، وتنحدر جوانبه بشدة بحيث يظهر جانبه الجنوبي قائمًا على هيئة المخروط. وقامت عند سفحه فوق سهل صحراوي متسع يبعد عن النهر بنحو ميل مدينة أشرفت على طريق القوافل المتجهة إلى السودان، وعمرتها معابد ومبان مصرية الطابع، وقد نسبت في بداية أمرها إلى الفرعون تحوتمس الثالث في تسميتها "تحوتمس ذابح الأجانب" واعتبرت حدًّا جنوبيًّا لولاية نائب الملك في كاش في عهد توت عنخ آمون، نظرًا لأهميتها الاستراتيجية، وذكرتها مصارد عصور الرعامسة، ثم اشتهرت باسم نبتا2، ووجد أولئك النازحون ضالتهم في منطقتها المتشبعة بالحضارة المصرية والبعيدة نوعًا عن مظان الغزو، وربما وجدوا سبيلهم إلى النفوذ فيها عن طريق رئاسة الدين وتولي وحي آمون، وثم تولوا حكمها وجعلوها عاصمة لدويلة ثيوقراطية وفوا فيها لعبادة آمون ولعقائد أوزير وللكتابة المصرية3، وإن جمعوا إلى هذه الصبغة المصرية بحكم اندماجهم في البيئة الجنوبية خليطًا من الملامح واللهجة النوبية، ومن دماء القبائل الليبية الجنوبية ومهارتها في ركوب الخيل وقتال البراري. قد يدل على هذا الخليط الجنوبي احتمال أخذ حكامهم بانتقال السلطة إلى الأكبر في الأسرة ومن الأخ إلى الأخ الذي يليه فضلًا عن الابن الأكبر، ثم نهاية بعض أسمائهم