وكان من إصلاحات الإدارة في أقاليم الشام حينذاك توجيه أهل الحكم فيها على إحصاء محصولاتها بمختلف أنواعها لتقدير الضرائب عليها على أساس سليم. وتوجيههم إلى الاهتمام بالمواني بوجه خاص "وتموينها على أساس التعيين المقرر لها كل عام" كما قالت نصوص العصر. وترك تحوتمس الأمراء المحليين في حكم إماراتهم واعتبرهم نوابًا "إدنو". وإن كان قد أقام معهم في المدن الرئيسية مفتشين مصريين، وعين حاكمًا عامًّا للشام، وجعل مدينة غزة ومدينة سميرا من مراكز الإدارة الرئيسية1.
وبعد أن آتت جهوده ثمارها في الشام، توفرت له الشهرة الخارجية الواسعة، وأحست الدول المجاورة بيقظته ورغبت في مصادقته، وهادته. ومنها بابل التي كان من هداياها إليه كميات من اللازورد الجيد2، وآشور التي أهدته هي الأخرى كميات من اللازورد الحر3، وخت "أوخاتي" دولة الحيثيين في آسيا الصغرى4.
وكان من الطبيعي أن تجد بلاد النوبة بقسيمها من اهتمام الدولة في هذا العهد ما لا يقل عن اهتمامها ببلاد الشام. فتأكد استتباب النفوذ المصري حتى ما بعد الشلال الرابع بقليل. وتعينت الحدود بلوحة أقامها رجال تحوتمس عند جبل برقل، ضمنوها أخبار الفتوحات الأولى لملكهم وذكروا أنه مد حدوده إلى المدى الذي وصلت إليه في عهد جده تحوتمس الأول5. وسرى التنظيم الإداري في مناطق النوبة. وظل الحكام النوبيون يتلقبون بألقاب النواب "إدنو"، وبدأت تظهر المعابد الفخمة في النوبة عوضًا عن المعابد البسيطة المبنية باللبن6. وزاد صبغ البلاد بالحضارة المصرية. وعلى نحو ما انتفعت النوبة بمصر، انتفعت مصر بها، فكان يصلها من ذهب النوبة السفلى ما يتراوح بين 212 وبين 227 من الكيلوجرامات سنويًّا، ويصلها من ذهب النوبة العليا مقدار يقل عن ذلك7. ويبدو أن الحائل الذي وقف دون مد الحدود المصرية مع نهر النيل إلى ما بعد المدى الذي وصله نفوذ تحوتمس، هو انحناءة النيل بعد الشلال الرابع وابتعاده شرقًا عن طريق القوافل التجارية التي كانت تتجه إلى الجنوب وإلى الغرب8.
وظهر في نصوص تحوتمس الثالث ما يرجح معه وصول بعثة تجارية من جنوب شبه الجزيرة العربية إلى مصر تحمل معها بعض منتجات بلادها من البخور والكندر، وتبغي عقد علاقات مباشرة مع فرعون مصر المنتصر، وكان أفرادها من "الجنبتيو" أسلاف العرب القتبانيين9.