واهتدى الإنسان في خواتيم هذا الدهر، وفي بقعة أو بقاع ما من العام القديم، إلى طريقة إيقاد النار اهتداء عفويًّا في الأغلب، وكان اهتداؤه إليها مبشرًا بأول انقلاب مادي فعال في تاريخ الحضارة البشرية، انقلاب تميز به طعام الإنسان بعد طهيه بالنار عن طعام الحيوان، وأصبح الإنسان بفضله أكثر اطمئنانًا على نفسه وعلى عياله حين يستعين بدفء النار على مقاومة البرد والصقيع، وحين يستعين بنورها على مخاوف ظلام الليل عدوه المخيف، وحين يستعين بأثرها في حفظ لحم الصيد وعدم فساده سريعا. وليس من المستبعد أنه حين لم يعد فكه وأسنانه يتطلبان المجهود الذي كان يبذله في أكل اللحم النيئ كان لذلك بعض الأثر في أن تهذبت خلقته وخفت وحشيته.