سنفرو مؤسس الأسرة الرابعة على كبار الأمراء وحدهم1. وتصاهروا معهم وزوجوا كثيرًا منهم بأميرات أسرتهم الحاكمة2. ومصوا على تربية أبناء الكبراء في قصورهم3، وسمحوا لعدد من هؤلاء الأبناء بأن يرثوا مناصب آبائهم ما داموا أهلًا لها، وما دامت تتوفر لديهم الكفاية لشغلها. وظهر من فراعنة الأسرة ملوك متعلمون، كانوا يتفقدون دور الكتب ودور المحفوظات بأنفسهم، ويراسلون وزراءهم بعبارات المودة ويردون بخطهم على رسائلهم إليهم4. ومن أمتع ما بقي من رسائلهم رسالة كتبها الفرعون إسسي إلى وزيره شبسرع يقول له فيها ردًّا على رسالة منه إليه في أحد أعياده وكان قد وصفه فيها بما يحب أن يوصف به: "اطلع جلالتي على الحديث الممتع الذي أرسلته إلى القصر في هذا اليوم الجميل، ... وسررت به لأنك تعرف كيف تتحدث بما يستحبه جلالتي، وأن كل ما تقوله ليروق لي إلى أقصى حد .. وهأنذا أقول الآن وأردد باستمرار، يا حبيب مولاه، يا من أنعم عليه مولاه، يا مسشار مولاه، الحق أن رع أكرمني بأن وهبني إياك، وبحق حياتي الخالدة لئن أبديت لي أية رغبة بكتاب اليوم لقضيتها لك في التو"5.
وظهر من فراعنة الأسرة من لم يكن يأبى أن يترضى رجاله عما أصابهم منه أو من جرائه عن قصد أو عن غير قصد. وحكى رجلان من عهد نفر إركارع ثالث فراعنة الأسرة شيئًا من ذلك. فقص "رع رو" أحد من عملوا في خدمة القصر وفي سلك الكهنوت أن ملكه وكز ساقه بمنسأته "عن غير قصد" خلال حفل كبير، ثم لم يأب أن يطمئنه على سلامة العقبى ويخصه بوداده ويسمح له بأن ينقش طمأنته له في مقبربته6. وقص آخر أن أباه الوزير واشتباح "أو بتاح واش" دهمه الموت فجأة وهو يمشي بجوار الفرعون في حفل افتتاح إحدى المنشآت الملكية، وأن الفرعون حاول إسعافه واستعان في ذلك بمخطوطاته الطبية الخاصة أو عقاقيره الخاصة، ولكنه فشل وعاد إلى مقصورته ودعا الأرباب من أجله أي ترحم عليه، وسمح لولده بأن يسجل ذلك كله نقشًا في مقبرته7. وكان في ذلك ما فيه من الدلالة على معرفة الملك ببعض مبادئ الطب أو التطبيب، إلى جانب إظهاره التعاطف مع من حوله.
واعتق الأستاذ فيكنتيف أن حدوث الحادثتين في عهد ملك واحد يدل على أنه كانت له مصلحة فيهما وأنه كان يود أن يتخلص من الرجلين فنخس أحدهما بعصاه التي يحتمل أنها كانت مسمومة وسم الآخر بطريقة ما ثم أظهر حزنه عليه، ولو صح ذلك لدل على ضعف سلطان الملك واضطراره إلى سلوك طرق