تعبيرات الهرم الأكبر:

ليس من شك في أن الهرم الأكبر الذي أقيم باسم خوفو فوق هضبة الجيزة شمال العاصمة القديمة منف، هو الشاهد الصريح على عظمة عهد صاحبه، وليس من شك كذلك في أن مهندس هذا الهرم قد استفاد من المحاولات والتجارب التي سبقت عهده والتي حاول أصحابها أن يتموا بها هيئة الهرم الكامل لمقابر ملوكهم لولا أن أنه بز محاولاتهم جميعها بضخامة هرمه الهائلة والدقة البالغة التي أتم بها بنيانه. فهرم خوفو قد شغل مساحة تقرب من 13 فدانًا، وبلغ ارتفاعه الأصلي نحو 146 مترًا1 "أنقصتها العوامل الجوية إلى 139 مترًا"، واستخدم البناءون في بنائه نحو مليونين وثلاثمائة ألف كتلة حجرية تراوحت زنة الواحدة منها بين الطنين والنصف والثلاثة أطنان وما هو أكثر2، وقد قطعوها جميعها من محاجر هضبة الجيزة التي شيدوا الهرم فوقها، فيما عدا الكساء الخارجي للهرم فقد قطعوا لوحاته السميكة الضخمة من محاجر طرة والمعصرة التي امتازت بأحجارها الجيرية الناصعة البياض، قرب ضفة النيل الشرقية المقابلة للضفة التي أقاموا الهرم على مقربة منها، وذلك فضلًا عما ذكرناه عن احتمال استخدامهم أحجار الديوريت في رصف أرضية معبد شعائره.

بُني الهرم أساسًا ليصبح ملجأ أمينًا لجثة الفرعون ومقتنياته الخاصة، وشاهدًا على ثرائه وسعة سلطانه، ووسيلة لخلود ذكره وذيوع شهرته، ودليلًا على رفعة شأنه في الدنيا وفي الآخرة، وصورة من صور رقي العمارة والفن في عهده. أي أنه لم يكن مجرد مقبرة في جبانة، ولم يكن مجرد جبل من الأحجار يشهد بجبروت صاحبه، وإنما كان ولا يزال عملًا فنيًّا في داخله وخارجه. وقد أطلق عليه صاحبه، أو أطلق عليه كهنته، اسم "آخت خوفو" بمعنى مشرق خوفو أو أفق خوفو، بناء على نفس الدافع الذي دعاهم إلى تسمية هرم أبيه "خع سنفرو" أي شع سنفرو "ص108". وقد تصمن الهرم ثلاث حجرات كبيرة للدفن، حجرة أسفله نحتت في باطن الصخر وهجرت قبل أن ينتهي العمل فيها، وأخرى في باطنه تسمى خطأ باسم غرفة الملكة وهجرت هي الأخرى بعد أن أوشك العمل فيها على الانتهاء، وثالثة في نصفه العلوي دفن الفرعون فيها. وأدى تعدد هذه الحجرات إلى رأي مقبول، مؤداه أن الهرم بُني على ثلاث مراحل انتقل المهندس من

طور بواسطة نورين ميديا © 2015