معلوم أنه ما طلب الشارع فعله طلباً جازماً حينئذٍ كون التسمية واجبة في الوضوء بأن لا يفتتح وضوؤه إلا بقول بسم الله وتعلقه بالوجوب يحتاج إلى دليل والدليل عندهم قوله أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً (لا صلاة لمن لا وضوء له ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه) رواه أحمد وغيره وحسنه الألباني في الإرواء وذكر بعض أهل العلم أنه لكثرت أسانيده وطرقه يقوي بعضها بعضاً فيرتق لدرجة الحسن لغيره حينئذٍ إذا ثبت الحديث هو الذي أعتمده المصنف رحمه الله تعالى (لا صلاة لمن لا وضوء له) هنا نفي للصلاة وإذا نفيت الصلاة فالأصل أنها محمولة على الحقيقة الشرعية بمعنى أن الوضوء شرط في صحت الصلاة إذا نفي الشيء عن الشيء دل على أنه شرط أو ركن وهنا كذلك هذه العبارة مستقيمة ولا إشكال فيها (لا صلاة) بمعنى أن الصلاة لا تصح وهي منفية لمن لا وضوء له فمن لم يتوضأ وصلى صلاته لا تصح نفس الجملة ونفس التقرير (لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه) (لا وضوء) بمعنى أن الوجود الشرعي هنا منفي وعلق بماذا؟ علق بذكر اسم الله عليه حينئذٍ صارت التسمية شرطاً في صحت الوضوء هذا ظاهر النص بأنه لا فرق بين من ترك الوضوء في الصلاة بأن الصلاة لا تصح وبين من ترك التسمية في الوضوء فوضوؤه لا يصح لكن نزل المذهب هنا درجة الشرطية أعلى ما يمكن أن يأخذ من هذا النص نزلوا درجة إلى القول بالوجوب لا بالشرطية للكلام والاختلاف في النص وهذه قاعدة عندهم كل ما وقع خلاف في النص وصار عندهم نوع تردد لا يقولون بظاهره وإلا والأصل لو ثبت الحديث ثبوتاً واضحاً بيناً بأن كان صحيحاً ولا خلاف فيه لقلنا بأن التسمية هي شرط في صحت الوضوء فمن تركها سواء تركها عمداً أو سهواً أو جاهلا ً فوضوؤه لا يصح ولم يقولوا بهذا وإنما قال (تجب) ثم قيده (مع الذُكر) يعني مع القدرة وعدم النسيان كل ذلك للخلاف في ثبوت النص (وتجب التسمية في الوضوء مع الذُكر) هذا له مفهوم (الذُكر) بضم الذال يعني ضد النسيان؛ النسيان معلوم معروف أنه الذهول عن المعلوم، هنا إذا تذكر التسمية فتركها لا يصح وضوؤه إن نسي حينئذٍ صح وضوؤه إذا لم يتذكر إلا بعد الوضوء فإن تذكر في أثناء الوضوء فثَمَّ خلاف عند الأصحاب هل يسمي ويبني أو يسمي ويستأنف؟ ثَمَّ خلاف في الإقناع يسمي ويبني وفي المنتهى يسمي ويستأنف عندهم إذا اختلف الإقناع والمنتهى قدم المنتهى هكذا قالوا على كل (وتجب التسمية في الوضوء مع الذكر) وتسقط حينئذٍ بالنسيان ودليلهم ما ذكرناه من الحديث السابق إن قيل بأنه ثابت فلا إشكال وإن قيل بأنه ضعيف حينئذٍ سقطت المسألة من أصلها وعلى تسليم بأن الحديث ثابت نقول ثَمَّ ما يدل على أن التسمية ليست بواجبة وهي الاتفاق في نقل صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم حيث لم يسمع منه أنه سمى ثم قوله تعالى وهو متأخر النزول كما في آية المائدة (يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم) فدل هذا النص على أن الله تعالى إنما ذكر في هذه الآية هي الأركان والواجبات فقط الأركان الأربعة حينئذٍ لو كان هذا النص ثابتاً لدل على أنه شرط أو على أنه ركن فلما لم يذكر في آية المائدة دل على أنه ليس بشرط وليس بركن وليس بواجب