يصنع النعل مثلاً من جلود النمور ونحوها فالحكم ينزل على ما ذكرناه إن كان من نجس في حال الحياة فلا يجوز استعماله لا بيعها ولا شراؤها ولا استعمالها وإن كان من طاهر في الحياة حينئذٍ نقول الأصل أنه يجوز فإذا صلى بساعة وقد صنع هذا الإستيك مثلاً من حيوان نجس حينئذٍ فيه خلاف بين أهل العلم هل صلاته صحيحة أم باطلة لأنه استعمل النجاسة مع العلم به كذلك لو حملت امرأة حقيبة وهي مصنوعة من جلد نجس في حال الحياة الحكم واحد كذلك ما يسمى بالجاعد ما يجلس عليه نقول هذا قد يصنع من نجس إن صنع من طاهر في حال الحياة لا شك أنه طاهر فلو صلى عليه صلاته صحيحة على المذهب لا تصح إذاً ضبط هذه المسألة لابد من استيعابها وجميع وجوها لأنها مهمة ولذلك بسط القول فيها، ثم قال (ولبنها وكل أجزائها نجسة) لم نص المصنف على اللبن وكل أجزائها لأن بعض الفقهاء استثنى قال اللبن هذا يجوز ليس بنجس له شربه ولو كان من ميتة وبعضهم استثنى عظم الميتة حينئذٍ نحتاج إلى دليل من الذي يطالب بالدليل؟ هل القائل بأن اللبن طاهر أم نجس هل القائل بأن العظم طاهر أم نجس؟ على الأصل السابق إذا قلنا أن الميتة اسم للحيوان ظاهراً وباطناً وقد حكم الله بالتحريم والتنجيس إذاً من قال بأن اللبن طاهر يحتاج إلى دليل من قال بأنه نجس لا يحتاج إلى دليل من قال أن عظم الميتة نجس لا يحتاج إلى دليل لأنه الأصل ومن قال بأنه طاهر احتاج إلى دليل ولذلك في هذه المسائل التي ذكرها المصنف الصحيح ما ذهب إليه المصنف رحمه الله تعالى بأن اللبن نجس وبأن كل أجزاء الميتة إلا ما استثناه من الشعر ونحوه لورود النص فحينئذٍ يعتبر نجساً لعموم النص وليس ثَمَّ ما يدل على التخصيص ومن قال بأن اللبن طاهر يحتاج إلى أن يبرز دليل واضح بين يعتبر مخصصاً للدليل السابق أو الإطلاق التقيد ومن قال بأن عظم الميتة طاهر وليس بنجس لأنه لا تحله الحياة ونحو ذلك نقول هذا اجتهاد مقابل للنص حينئذٍ يكون فاسد الاعتبار فلا يعول عليه (ولبنها) أي لبن الميتة (وكل أجزائها) كقرنها وظلفها وعصبها وعظمها وحافرها وانفحتها وجلدتها نجسة فلا يصح بيعها ولا شرب اللبن ونحو ذلك ولذلك سئل ابن عباس عن الجبن يصنع فيه أنافح الميتة فقال لا تأكلوه رواه سعيد بن منصور وقال ابن مسعود لا تأكلوا من الجبن إلا ما صنع المسلمون وأهل الكتاب رواه البيهقي ولأنه مائع في وعاء نجس الأصل الجلد نجس تنجس بمجرد الموت وقد سبق معنا أن الصحيح أن المائعات ومنها الماء بمجرد ملاقاة النجاسة أنه ينجس (وكل أجزائها) ودخل فيه العظم لأن أبا حنيفة رحمه الله تعالى يستثني العظم وهو نجس لقوله (حرمت عليكم الميتة) والعظم من جملتها فيكون محرماً وتحله الحياة خلافاً لما ادعاه البعض بأنه لا تحله الحياة لقوله تعالى (قل من يحي العظام وهي رميم) وما يحيا فهو يموت ولأن دليل الحياة الإحساس والألم والألم في العظم أشد منه في اللحم والجلد وكذلك الضرس يتألم به الإنسان ويحس ببرد الماء وحرارته وما تحله الحياة يحلها ويحله الموت فدل على أنه داخل في المسمى السابق (غير شعر ونحوه) نحو (غير شعر) هذا استثناء (ونحوه) يعني ونحو الشعر والشعر يكون للمعز والبقر ونحوه