فكل نجاسة وقعت على الماء الكثير ولم تغيره حكمنا على الماء بكونه طهوراً أو طاهراً على أصله والتفريق هذا وإن كان عند أكثر المتقدمين والمتوسطين إلا أنه غير معتمد عند المتأخرين ومستند الإمام أحمد في الرواية المشهورة هو حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه في الصحيحين قول النبي صلى الله عليه وسلم (لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل منه) (لا يبولن) هنا نهي مؤكد بنون التوكيد ويبولن هذه نجاسة خاصة خص النبي صلى الله عليه وسلم البول وقيس عليه الغائط لأنه أفحش منه (أحدكم في الماء الدائم) عام في المتغير وغيره فقال: النبي صلى الله عليه وسلم لم ينهى عن الاغتسال من الماء الذي قد بال فيه إلا لكون الماء قد تنجس ولم يذكر هنا التغير فصار هذا الحديث مخصص لحديث القلتين (إذا بلغ الماء قلتين) يخص منه ما بال فيه الإنسان فيكون نجساً لأن النبي صلى الله عليه وسلم عمم في النهي ولم يخصص كونه تغير أو لم يتغير والصحيح أن هذا الحديث محمول على شيء آخر وهو أنه يفسده على نفسه وعلى غيره، إذاً هذا نوع من أنواع الماء الطهور وهو الماء الذي كان كثير بأن بلغ قلتين فأكثر ووقعت فيه نجاسة وعلى الصحيح مطلق النجاسة أين كانت فنحكم على الماء إذا لم يتغير بكونه طهوراً وأما إذا تغير فنحكم على الماء بكونه نجس وهذا محل وفاق وإجماع بين أهل العلم، ثم قال رحمه الله تعالى في النوع الأخير الذي أراد بيانه وهو ماء طهور لا يرفع الحدث سبق أن حكم الماء الطهور أنه يرفع الحدث وتزال به النجاسة ثَمَّ نوع من الماء هو طهور ولكنه لا يرفع الحدث ويزيل النجاسة لا يرفع الحدث هذا يعتبر تخصص وتقييد للحكم العام للطهور ولهم دليل يذكره الشارح قال رحمه الله تعالى (ولا يرفع حدث رجل طهور يسير خلت به امرأة لطهارة كاملة عن حدث) بهذه القيود مجتمعة حينئذٍ يحكم على هذا الماء الطهور بكونه لا يرفع حدثاً الحدث سبق أنه وصف قائم بالبدن يمنع من الصلاة ونحوها مما تشترط له الطهارة ويشمل النوعين سواء كان حدثاً أصغر وهو ما أوجب وضوء أو كان حدثاً أكبر وهو ما أوجب غسلاً هنا قال (لا يرفع) يعني ماء يسير لا يرفع يعني لا يزيل سبق أن الرفع هو الزوال والإزالة إزالة الوصف القائم بالبدن هذا هو طهارة الحدث ما هي طهارة الحدث زوال الوصف القائم بالبدن هذا لا يرفع حدثاً إذاً لا يزيل لا يرفع بمعنى لا يزيل (لا يرفع حدثاً) إذاً هل تزال به النجاسة؟ كل قيد وشرط من هذه القيود له مفهوم بمعنى أن ما لم يذكر نطقاً فالحكم مخالفاً لما لم ينطق به يعني مفهومه معتبر هنا (لا يرفع الحدث) إذاً هل له أن يزيل به النجاسة؟ نعم لأن الحكم مخصص هنا بالحدث وعندنا طهارة أخرى وهي طهارة خبث إذاً لا يرفع الحدث وله أن يزيل به النجس وهو المذهب (حدث رجل) رجل هو ذكر بالغ من بني آدم لفظ رجل لا يصدق إلا على الذكر إذاً الأنثى لها أن ترفع به الحدث لأن الحكم هنا خاص بالذكر قال بالغ من بني آدم لأن الوصف بالرجولة لا يصدق إلا على البالغ إذاً ما دون البلوغ سواء كان مميزاً أو لا حينئذٍ له أن يرفع الحدث نعم له أن يرفع الحدث لأن الحكم هنا مقيد بالرجل إذاً (ولا يرفع حدث رجل) لا امرأة الأنثى