فتبين أن القسامة ليست شاذة عن أصول الدعاوي؛ لأن في الدعاوي ما يشهد لها، والقسامة فيها قرائن ترجح جانب المدعين، وهو اللَّوْث، أي: العداوة الظاهرة، كما سيأتي في كلام المؤلف.

وأما الوجه الثاني من المخالفة: وهو تكرار الأيمان، وغيرُها من الدعاوي يمين واحد تكفي، فالقسامة إنما تكرر فيها الأيمان لعظم شأن الدماء، حيث إذا أقدم هؤلاء على اليمين وحلفوا خمسين يميناً أُعطوا الرجل وقتلوه، وهذا أبلغ ما يكون من الخطر؛ فمن أجل ذلك كررت بخمسين يميناً.

وأما كونها خمسين يميناً، ولم تجعل عشرة مثلاً، فهذا ليس إلينا، كما أن هذا لا يرِد على أن صلاة الظهر أربع ركعات، ولم تجعل ثماني ركعات مثلاً.

وأما الوجه الثالث: وهو حلف الإنسان على شيء لم يره، فنقول: للإنسان أن يحلف على شيء لم يره اعتماداً على القرائن، وغلبة الظن، والدليل على هذا أن النبي صلّى الله عليه وسلّم أقرَّ الرجل الذي جامع زوجته في نهار رمضان، حين قال: «والله ما بين لابتيها أهل بيت أفقر مني» (?)، فأقره النبي صلّى الله عليه وسلّم لأن عنده غلبة ظن، ولم يقل له: لا تحلف، فإنك لا تدري.

وقوله: «في دعوى» فُهِمَ منه أن الذي يحلف هو المدعِي؛

طور بواسطة نورين ميديا © 2015