إذا تأملت الأصول وجدت أن اليمين إنما تشرع في الجانب الأقوى، يعني في جانب أقوى المتداعيين، فليست دائماً في جانب المدَّعَى عليه، فأحياناً تكون في جانب المدَّعَى عليه، وأحياناً تكون في جانب المدَّعِي، فينظر للأقوى من الجانبين وتشرع في حقه، بدليل أن أهل العلم قالوا: لو تنازع الرجل والمرأة في أواني البيت، فقالت المرأة: هذه لي، وقال الرجل: هذه لي، فالذي يصلح للرجل يكون له بيمينه، فمثلاً دلة القهوة لو قال الرجل: هي لي، وقالت المرأة: هي لي، فإنه يقبل قول الرجل «المدعي» حتى لو كانت الدلّة في يد المرأة، فنقول للرجل: احلف أنها لك وخذها؛ لأن جانبه أقوى.
مثال آخر: لو أنّ رجلاً ذا وقارٍ وهيئة، وعليه مشلح، وثوب، وغترة، وبيده مسحاة عاملٍ، وإلى جانبه عامل رافع ثوبه متحزِّم، وعليه ثوب غير نظيف، ويظهر من مظهره أنه عامل، ويقول: المسحاة لي، فقال الآخر: بل لي وهي بيدي، فهنا المدعي هو العامل، لكن في هذه الحال نغلب جانب العامل، فنقول له: احلف أنها لك وخذها.
مثال ثالث: لو كان رجلان ببلدٍ من عادتهم أن يستروا رؤوسهم بالشماغ، فوجدنا رجلاً حاسر الرأس ليس عليه شماغ، ورجلاً آخر عليه شماغ، وبيده شماغ، والرجل الحاسر يقول لهذا الذي بيده الشماغ: أعطني شماغي، هذا لي، والرجل الثاني يقول: هذا بيدي فهو لي، وأنت مدعٍ، فهنا الرجل المدعي الذي ليس عليه شيء أقوى جانباً، فنقول له: احلف وخذه.