الأكوع ـ رضي الله عنه ـ: فبينما أنا مع الرسول صلّى الله عليه وسلّم وجدني ساكتاً، شاحباً ـ كأنه مغموم ـ فقال له: ما لَكَ؟ قال: قلت: يا رسول الله، إنهم يقولون: بطل أجر عامر، قتل نفسه! فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كذب من قاله، إن له الأجر مرتين، إنه لجَاهِدٌ مجاهد، قلَّ عربي مشى بها مثله» (?).
فالرسول صلّى الله عليه وسلّم ذكر في هذا الحديث ثلاثة أمور:
أولاً: كذب من قال: إنه بطل أجره، قال العلماء: والكذب هنا بمعنى الخطأ؛ لأن قولهم لم يطابق الواقع؛ لأنهم لم يخبروا عن شيء حدث، إنما قالوا شيئاً ظنُّوه، فكلامهم هذا إنشاء وليس خبراً، وهذا أحد المواضع التي يستشهد بها على أن الكذب يأتي بمعنى الخطأ.
ثانياً: قوله: «إنه لجاهد مجاهد» قيل: إن الكلمتين من باب التوكيد، كما يقال: شعرٌ شاعر، أي: شعر جيد جداً، وجاهد مجاهد، يعني أنه جاهد جداً.
وقيل: بل معنى «الجاهد» الجاد في الأمور، و «المجاهد» أي في سبيل الله، وهذا التفسير أحسن؛ لأنه إذا دار الأمر بين كون الكلام تأسيساً أو توكيداً حُمِلَ على أنه تأسيس؛ لأننا إذا حملناه على التوكيد ألغينا مدلول الكلمتين، وإذا حملناه على التأسيس عملنا بمدلول الكلمتين، ويكون النبي صلّى الله عليه وسلّم أثنى عليه من جهتين: من جهة العمل والجد فيه، ومن جهة الإخلاص.