فإن الجميع يشملهم اسم العدالة والضبط؛ إلا أن للمرتبة الأولى من الصفات المرجحة ما يقتضي تقديم روايتهم على التي تليها، وفي التي تليها من قوة الضبط ما يقتضي تقديمها على الثالثة، وهي مقدمة على رواية من يعد ما ينفرد به حسنا؛ كمحمد بن إسحاق عن عاصم بن عمر عن جابر، وعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده.
وقس على هذه المراتب ما يشبهها.
والمرتبة الأولي هي التي أطلق عليها بعض الأئمة أنها أصح الأسانيد، والمعتمد عدم الإطلاق لترجمة معينة منها.
نعم؛ يستفاد من مجموع ما أطلق الأئمة عليه ذلك أرجحيته على ما لم يطلقوه.
ويلتحق بهذا التفاضل ما اتفق الشيخان على تخريجه بالنسبة إلى ما انفرد به أحدهما، وما انفرد به البخاري بالنسبة إلى ما انفرد به مسلم؛ لاتفاق العلماء بعدهما على تلقي كتابيهما بالقبول، واختلاف بعضهم على أيهما أرجح، فما اتفقا عليه أرجح من هذه الحيثية مما لم يتفقا عليه.
وقد صرح الجمهور بتقديم «صحيح البخاري» في الصحة، ولم يوجد عن أحد التصريح بنقيضه.
وأما ما نقل عن أبي علي النيسابوري أنه قال: ما تحت أديم السماء أصح من كتاب مسلم؛ فلم يصرح بكونه أصح من صحيح البخاري؛ لأنه إنما نفى وجود كتاب أصح من كتاب مسلم؛ إذ المنفي إنما هو ما تقتضيه صيغة أفعل من زيادة صحة في كتاب شارك كتاب مسلم في الصحة، يمتاز بتلك الزيادة عليه، ولم ينف المساواة.
وكذلك ما نقل عن بعض المغاربة أنه فضل صحيح مسلم على صحيح البخاري؛ فذلك فيما يرجع إلى حسن السياق وجودة الوضع والترتيب.
ولم يفصح أحد منهم بأن ذلك راجع إلى الأصحية، ولو أفصحوا به لرده عليهم شاهد الوجود، فالصفات التي تدور عليها الصحة في كتاب البخاري أتم منها في كتاب مسلم وأشد، وشرطه فيها أقوى وأسد.
أما رجحانه من حيث الاتصال؛ فلاشتراطه أن يكون الراوي قد ثبت له لقاء من روى عنه ولو مرة، واكتفى مسلم بمطلق المعاصرة، وألزم البخاري بأنه يحتاج إلى أن لا يقبل العنعنة أصلا!
وما ألزمه به ليس بلازم؛ لأن الراوي إذا ثبت له اللقاء مرة؛ لا يجري في رواياته احتمال أن لا يكون «قد» سمع منه؛ لأنه يلزم من جريانه أن يكون مدلسا، والمسألة